نفّذ الإرهابيون الذين يحتلون جرود عرسال تهديدهم، وقطعوا رأس الجندي في الجيش عباس مدلج. جريمة وضعت البلاد على حافة الانفجار، في حلقة جديدة من حلقات السلسلة التي لم يخرج منها لبنان منذ عام 2011، وتحديداً منذ «يوم الغضب» الشهير
رغم خطورة الوضع وهشاشته، تستمر السلطة السياسية بالتعامل كما لو ان لبنان بعيد آلاف الأميال عن دول تنهار تحت وطأة الارهاب، فيما الإرهاب نفسه يحتل جزءاً من الأراضي اللبنانية، ويخرق السيادة بلا أي رادع.
ولعل صورة الرئيس تمام سلام في كلمته الموجهة إلى اللبنانيين أمس، أبلغ دليل على هشاشة موقف الدولة اللبنانية. فقد ظهر رأس السلطة التنفيذية خائفاً ومربكاً، ولا يوحي بأي قدر من الثقة. اول من امس، خرج (على صفحات الزميلة «السفير») ليقول إن في يد الدولة اوراق قوة لمواجهة الإرهابيين. لكن اوراق القوة هذه لم تظهر، رغم أن الإرهابيين ارتكبوا جريمة ذبح جندي ثانٍ اول من امس، وقتلوا يوم الجمعة الماضي مواطناً لبنانياً بعد «اعتقاله ومحاكمته»، وصلبوا سورياً، وحاولوا ليل أمس اعتقال سوري آخر في عرسال. يدعو سلام إلى الالتفاف حول الجيش والقوى الأمنية التي «تحظى بتغطية سياسية كاملة في عملها الرامي إلى التصدي للإرهاب وحفظ أمن لبنان واستقراره»، فيما هو، بصفته وكيلاً لرئيس تيار المستقبل الرئيس سعد الحريري، وقف حجر عثرة امام استكمال الجيش معركته ضد هذا الإرهاب. يستعيد مطلعون على خفايا معركة عرسال التي اندلعت في الثاني من آب الكثير من الأسئلة، ويطرحونها كلما قال سلام إن الحكومة تغطي الجيش، او انها لم تطلب منه وقف المعارك في عرسال وجرودها (بحسب ما قال في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء الخميس الفائت)، ما اتاح للإرهابيين الاستمرار في احتلالهم لتلك الأرض اللبنانية. يقول هؤلاء إن استعادة «داتا الاتصالات» بين رئاسة الحكومة وقائدة الجيش يوم الثاني من آب وبعده تحمل أدلة على هذه الأسئلة، وأبرزها:
لماذا ضغط رئيس الحكومة على قائد الجيش العماد جان قهوجي لفرض هيئة العلماء المسلمين، المتعاطفة مع الخاطفين، وسيطاً بينهم وبين الدولة، وطلب من الجيش وقف إطلاق النار لتسهيل دخول وفد الهيئة إلى عرسال؟
لماذا كان سلام يمارس الضغوط على الجيش، بهدف التحكم بسير المعارك، من خلال «مساءلة» قائد الجيش، خلال المعركة، عن أسباب قصف هذه البقعة او ذلك الموقع الذي يتحصن فيه إرهابيون؟
هل اتصل أحد المقربين من سلام بعد استعادة الجيش موقعه الذي احتله الإرهابيون قرب مهنية عرسال ليوصي الجيش بجرحى الإرهابيين؟
ألم يتصل سلام شخصياً بقائد الجيش «مسائلاً» عن الراجمات التي تطلق الصواريخ صوب جرود عرسال من منطقة قريبة من الفاكهة، مشككاً في ملكية الجيش لهذه الراجمات، وملمحاً إلى انها عائدة لحزب الله؟
ألم يتصل سلام بقائد الجيش ليعترض على هجوم الجيش على تلة أطلقت منها النيران على السيارة التي كان يستقلها الشيخ سالم الرافعي يوم أصيب في قدمه؟
تكثر الأسئلة التي تبقى بلا أجوبة. لكن خلاصتها تتقاطع مع ما يؤكده مرجع بارز في قوى 8 آذار، لناحية القول إن ضغوطاً سياسية شديدة مورست على قيادة الجيش، من قبل تيار المستقبل ممثلاً برئيس الحكومة، وأن الجيش حاول توسيع هامش العمليات في عرسال ومحيطها قدر المستطاع.
وتلفت المصادر إلى ان انتشار الجيش ميدانياً بين عرسال وجرودها لم يحظَ بغطاء رسمي إلا بعد المباشرة به، أي ان «تغطية» السلطة السياسية انتُزِعَت انتزاعاً.