«المشادات» الكلامية داخل مجلس الوزراء حول طبيعة مشاركة لبنان في «الائتلاف الدولي» لمواجهة «داعش» ليست سوى انعكاس مباشر لاختلاف الرؤى بين فريقي 8 آذار و14 آذار حول نتائج هذه الحرب وانعكاساتها على الساحة اللبنانية، واذا كان وزير الخارجية جبران باسيل يمثل الطرف «الساذج» في هذه المعادلة، لجهة فهم الموضوع انطلاقا من «نواياه الطيبة» المرتبطة بمخاوف المسيحيين على مصيرهم في مواجهة الفكر التكفيري، فان فريق «تيار المستقبل» الحكومي ينطلق من خلفيات أخرى ترتبط برهانات «ووشوشات» ديبلوماسية توحي بقرب «كسر» «شوكة» حزب الله انطلاقا من «البوابة» السورية، فيما لدى الحزب قراءة تقف على نقيض «اوهام» «التيار الازرق». فاين يقع الاختلاف؟
اوساط ديبلوماسية في بيروت تشير الى ان قوى 14 آذار، و«تيار المستقبل» على وجه الخصوص، يعيشان على وقع «خبريات» غربية وعربية تؤكد ان الادارة الاميركية وجهت بصورة غير مباشرة «إنذارا جديا» للرئيس السوري بشار الأسد بالتزامن مع «تفعيل» خارطة أهداف جوية في محافظتي الرقة ودير الزور، من أي محاولة لإعاقة «نطاق العمليات» العسكري المفترض جوا في بلاده ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، وثمة معلومات «جدية» تتحدث عن ان الهدف المقبل للاميركيين سيكون تدمير نظام الدفاع الجوي السوري.
اما اكثر ما «يثلج» صدور هؤلاء، تقول الاوساط، المعلومات التي تتحدث عن خطة اميركية قوامها شن ضربات جوية مكثفة وقوية للقضاء على مرافق ومقرات ومعدات «داعش» وتمهيد «الأرض» من الجو لقوات «المعارضة المعتدلة» للانتشار في المناطق «المحررة»، مع الحرص على عدم السماح بتقدم الجيش السوري في هذه الأثناء نحو الأراضي التي يتم «تحريرها»، ولضمان هذا الامر ابلغت واشنطن موسكو انها لن تسمح للقوات السورية «بملء» الفراغ حتى لو تطلب الامر استهداف تلك القوات بغارات جوية. وهذا ما يرى فيه «الآذاريون» فرصة سانحة لقلب موازين القوى مجددا في سوريا لمصلحة «المعارضة المعتدلة» المدعومة من السعودية، وينتظرون انعكاساته على الساحة اللبنانية.
في المقابل، يمتلك الفريق الآخر رواية مختلفة للسيناريوهات المتوقعة، ووفقا لما سربته اوساط مطلعة على هذا الملف، فثمة تفاهم ضمني حصل بين موسكو وواشنطن حول مسألة الحرب على «داعش». فحوى هذا التفاهم أنه في مقابل تولّي التحالف الغربي ضرب «تنظيم الدولة» في العراق فإن كلاً من روسيا وإيران تتوليان زيادة الدعم العسكري واللوجستي لدمشق في إطار محاربة «داعش» على الأراضي السورية، على ألا تُقدم واشنطن على أي تنسيق أو تعاون أمني مع دمشق في هذا المجال، ووفقا لهذه الاستراتيجية فإن الضربات الجوية الأميركية ستتم بعد إخطار الطرف الروسي بها.
والمقتنعون بصوابية هذه المعلومات يعطون العراق نموذجا للتنسيق غير المباشر بين الاميركيين والايرانيين، على حدّ قول الاوساط ففي معركة تحرير مدينة آمرلي من حصار تنظيم «الدولة الإسلامية»، قامت قوات «الدفاع الشعبي» العراقية المدربة في ايران بالدور الابرز في المواجهات، وتم تسريب مقصود لصور قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني يقود المعارك هناك. في الوقت نفسه أعلنت وزارة الدفاع الأميركية شن غارات جوية على مقاتلي «داعش» المحاصرين لمدينة آمرلي، وهذا يدلل في رأي هؤلاء على ان الطرفين يتعاملان مع الواقع العراقي ببراغماتية كبيرة. فلماذا لا يتكرر الامر في سوريا؟
وفي انتظار الاجوبة، تؤكد تلك الاوساط ان محور المقاومة لا ينتظر الاستراتيجية الاميركية، فطهران تقوم على الساحة العراقية برسم المشهدين الامني والعسكري، ونجحت في الحصول على تغطية من مرجعية السيد علي السيستاني لانشاء نموذج مماثل للحرس الثوري الايراني في العراق، اما التنسيق مع موسكو في دمشق فقد ارتفع منسوبه خلال الاسابيع القليلة الماضية، وقد تمت زيادة تقديــــم الخبرات والاستشارات الميدانية الايرانية، اما روسيا فدخلت بقوى على «الخط»، ومن المتوقع ان تسلم دمشق نحو 12 عشرة طائرة هجومية، بعد ان سلمتها اربع طائرات من نوع سوخوي محدثة وقد بدأت نتائجها تعطي مفاعيل مذهلة في الميدان.
ففي الوقت الذي ما يزال الغموض يكتنف عملية تصفية قيادات الصف الاول والثاني لتنظيم «احرار الشام» في ريف ادلب ، فان نتائج هذا التعاون الذي يشارك فيه حزب الله بفعالية استخباراتية عالية المستوى، بدأ يؤتي ثماره، وتكتفي تلك الاوساط بالاشارة الى عمليتين نوعيتيين حصلتا قبل ايام للدلالة على «ان ثمة شيء ما قد تغير»، على مستوى الدقة في الاستهداف ونوعية الاسلحة المستخدمة في الغارات الجوية. اولى المؤشرات كانت في الغارات التي استهدفت مواقع «داعش» في الرقة قبل اسبوعين، لكن ما حصل قبل ساعات كان تطورا نوعيا على المستويين الاستخباراتي، والعسكري، فالطائرات السورية شنت ثلاث غارات على قرية دير سنبل في ريف ادلب مسقط رأس جمال معروف قائد ما يسمى «جبهة ثوار سوريا»، احداها استهدفت بصاروخين مقر الجبهة الذي هو عبارة عن مغارة محصنة تحت الأرض محفورة بالصخر، أعدت وجهزت بطريقة لا يمكن للصواريخ العادية أن تؤثر فيها، لكن المفاجأة كانت في استخدام صاروخين مضادين للتحصينات، اديا الى تدمير المقر أثناء انعقاد اجتماع لقيادات الجبهة فقتل تسعة منهم، واصيب اخرون بجروح بعضها خطرة بينهم نضال عبد الوهاب القائد العسكري لتجمع شهداء سوريا، فيما اصيب قائد الجبهة جمال معروف بجروح متوسطة ونقل الى تركيا.
اما المثال الاخر فحصل يوم الاربعاء في تلبيسة شمال حمص حيث استهدفت غارات جوية سورية اجتماعا لقيادات المعارضة»المعتدلة» ومخزنا للأسلحة، ومحكمة «شرعية»، وموقع مدفعية ثقيلة، كان يديره قائد أكبر تشكيل محلي للثوار، مما أسفر عن مقتله. اما حاتم الضحيك، «قائد لواء الايمان بالله « فقد نجا من الموت باعجوبة، بينما قتل عدد من القادة بعد ان اصيب مقر الاجتماع بصاروخ مباشر خلال الغارات.
هذه التطورات النوعية، تشير بوضوح الى وجود استراتيجية منفصلة لدى محور المقاومة لتغيير الوقائع الى الارض في سوريا والعراق، لمواجهة الاستراتيجية الاميركية، تضيف الاوساط فواشنطن التي حاولت إغراء إيران بحلّ المسألة عسكرياً في الموصل، وعرضت على القيادة الايرانية خطة للتنسيق مشترك للعمليات قوبلت بالرفض لان طهران لم ولن تقبل ان تدفع «الفاتورة العسكرية» دون أن يقابل ذلك ثمن سياسيّ كبير تدفعه الولايات المتحدة، وموسكو ايضا ليست في صدد التسليم «بالقضاء والقدر» الاميركي في المنطقة وستعمل على الاستفادة من التطورات، وبطبيعة الحال فان الدولة السورية تعمل على «تنظيف» الساحة من كل من يعول عليه الاميركيون على الارض، اما الساحة اللبنانية فلن تكون بمنأى عن هذه الاستراتيجية التي تطبق في سوريا الآن، وثمة من يربط بين التحرك النوعي لاستخبارات الجيش في جميع المناطق اللبنانية بالتعاون والتنسيق مع حزب الله في المناطق المحسوبة عليه، لتفكيك «الخلايا النائمة» وبين الخطة الشاملة على مستوى المنطقة، ومنها طبعا «تضييق الخناق» على المسلحين في جرود عرسال والبدء بمحاصرة المجموعات التكفيرية في طرابلس والشمال، وهو امر يتم على «قدم وساق» وفق «خريطة طريق» تجعل المبادرة بيد الجيش ولا تضعه مجددا في موقع رد الفعل.
وفي هذا السياق، تلفت تلك الاوساط الى ان ثمة فارقاً جوهرياً بين «تيار المستقبل» و«حزب الله»، فالاول ينتظر، والثاني يعمل لتغيير الوقائع، واذا كان الطرفان حريصين على بقاء الحكومة، الا ان المخاوف الجدية تكمن في «تهور» بعض قيادات المستقبل وانسياقها وراء مغامرات جديدة لن تكون الا «دعسة ناقصة» في «المجهول».
تعميم المركزي يخفض سعر صرف الدولار؟
بعد أن اصدر مصرف لبنان تعميماً جديداً يلزم المصارف بالحصول على موافقة مسبقة منه قبل فتح اعتمادات او دفع فواتير...