«ضبابية» المشهد الاقليمي وغياب الوضوح في الاستراتيجيات الدولية لدى اطراف الصراع على المنطقة، ترفع من مخاطر انزلاق التطورات الميدانية نحو سيناريوهات لم تكن في الحسبان وبعيدة عن حدود المنطق السائد وقواعد الاشتباك المعمول بها راهنا، وثمة مخاوف جدية من تحولات دراماتيكية تقلب «الطاولة» على جميع «اللاعبين» بمصير الخريطة الجيوسياسية والديموغرافية لمنطقة قد تخرج عن نطاق السيطرة.
هذه الخلاصة «التشاؤمية» لاوساط ديبلوماسية في بيروت، تلخص المشهد العام لحرب بدأت منذ نحو ثلاث سنوات باهداف واضحة وادوات مسيطر عليها، ووصلت اليوم الى مرحلة من الفوضى وخروج الاوضاع من دائرة التحكم، دون ان يكون لدى احد اي تصور واضح عن النهايات المرتجاة من هذه الفوضى التي بدأت بتواطؤ اميركي مع دول اقليمية ارادت توظيف «حركة الاخوان المسلمين» في بناء حقبة جديدة في المنطقة تحت عنوان «الاسلام المعتدل» بقيادة تركية، وانتهت اليوم بفعل تضارب في مصالح الحلفاء السنة على قيادة العالم الاسلامي الى ما نحن فيه من سيطرة للتكفيريين على الارض في ظل غياب استراتيجية موحدة لمواجهة هؤلاء بفعل استمرار تضارب المصالح بين تركيا والسعودية، ما يجعل التدخل الاميركي والغربي دون افق لانه لا يملك اي اجابة واضحة عن «اليوم التالي».
هذا الغموض لا يشكل بطبيعة الحال مصدر القلق الوحيد ازاء ما ستحمله الايام والاسابيع المقبلة من تطورات تضيف الاوساط، فالترقب والحذر ازاء الاهداف النهائية للتحالف الدولي الذي تغير طائراته على مواقع «داعش» في سوريا والعراق، مبرر، ففي نهاية المطاف نحن امام مشهد جديد غير مسبوق لا يمكن ان لا تكون له نتائج وارتدادات في السياسة والامن، فلا احد يصدق ان الولايات المتحدة لن تحاول استغلال الموقف لتحقيق مصالحها التي تتجاوز مسألة القضاء على فصيل ارهابي تجرأ على استفزازها. ويبقى السؤال عن الاثمان التي تريدها؟ وهل ستتمكن من الحصول عليها؟
طبعا لا احد يملك اجابة حاسمة عن تلك الاسئلة، ولكن الواضح من سياق التطورات وبحسب الاوساط، ان ثمة قراراً لدى خصوم واشنطن في المنطقة لمواجهة مشروعها الجديد، وهذا يفضي الى الاستنتاج بأن مواجهة قاسية وصعبة تنتظر الجميع قبل «ولادة» الخريطة الجديدة في المنطقة التي ستمر «بمخاض عسير»، لكن ثمة دول على «هامش» هذا الصراع تحاول الاستفادة من الفوضى القائمة لتحسين شروطها على «الطاولة» حين يفتح «بازار» التفاهمات، وهنا يكمن الخطر الشديد الذي تحذر منه تلك الاوساط لان الامر يتعلق بتركيا واسرائيل، وهما دولتان لا تفكران «بمنطق وعقل» بل تنطلقان من استراتيجية «غرور» القوة التي غالبا ما تنطلق من حسابات خاطئة ولكنها تؤدي الى نتائج كارثية.
وفي هذا السياق، يمكن تفسير الخطوات التركية المتسارعة لفرض اجندتها في سوريا والعراق للاستفادة من هذه «اللحظة التاريخية» من الفوضى لفرض وقائع على الارض تقول الاوساط تقضي على «الصداع» المزمن للقضية الكردية، وسواء استخدمت انقرة «ورقة» المنطقة العازلة او ابقت الامر «سيفا مصلطا» لابتزاز كل القوى في المنطقة لتحقيق مآربها ، فان «حفلة الجنون» التي تديرها الاستخبارات التركية من خلال توظيفها المفضوح لمغامرات «داعش» العراقية والسورية، نجحت في تحسين موقع حكومة «العدالة والتنمية» بعد الاخفاقات المتتالية في الرهان على «الاخوان المسلمين»، والاستراتيجية التركية تقوم اليوم على مسألتين اساسيتين الاولى اخضاع الاكراد، وهذا ظهر جليا من خلال التهرب من مساعدة اقليم كردستان في مواجهة «غزوة» «داعش»، وتعاملها مع التطورات العسكرية في مدينة عين عرب، اما المسألة الثانية فهي اسقاط النظام السوري، وهي فرصة تراها القيادة التركية سانحة من خلال ابتزاز التحالف الدولي الذي يفتقر الى جنود على الارض لاتمام المهمة، وتقدم تركيا نفسها بانها الاقدر على القيام بذلك شريطة ان تكون الخطة الثانية رحيل الرئيس السوري بشار الاسد.
في المقابل لا يبدو ان اسرائيل ستفوت الفرصة بحسب الاوساط، فهي شنت حربا على غزة وتعتقد انها نجحت في تطويع المقاومة الفلسطينية بعد ان دمرت القطاع وحيدته عن الصراع، وهي تعمل على «قدم وساق» لترتيب المنطقة الحدودية مع الجولان المحتل وكل الوقائع تشير الى انها نجحت في بناء تحالفات وثيقة مع المعارضة السورية لانشاء «حزام امني» في المنطقة وهي تقدم مساعدات لوجستية للمجموعات المسلحة مكنتها من تحقيق تقدم كبير في تلك المنطقة التي فرضت فيها حظرا جويا «مقنعا» عبر اسقاط طائرة السوخوي السورية بعد الادعاء انها تجاوزت الحدود. لكن هل تتوقف الاستفادة الاسرائيلية من هذه الاوضاع عند حدود غزة والجولان؟
هذا ما يثير قلق تلك الاوساط، التي تخشى من لحظة «جنون» اسرائيلية يمكن ان تدفع قادة الاحتلال الى محاولة استغلال «مناخ»العمليات العسكرية الاميركية في المنطقة للاقدام على التخلص من «خطر» حزب الله «المتعاظم»، وهذا ما يفسر التركيز على قدرات الحزب العسكرية والحديث اليومي للقيادة الاسرائيلية عن «الخطر القادم من الشمال»، ويترافق هذا الامر مع اهتمام دوائر القرار ومراكز البحوث الأمنية والعسكرية الأميركية والأوروبية بنشاطات والتعزيزات العسكرية لحزب الله، والحديث عن مرحلة ما قبل دخوله الى سوريا وما بعدها. فهل تغامر اسرائيل؟
طبعا لا جواب قاطع على هذا السؤال، ولا ضمانات اقليمية او دولية في ظل هذه «الفوضى»العارمة، لكن الكثير من التقارير الدبلوماسية الغربية حذرت اسرائيل من الاستخفاف بقدرات «العدو» الذي ما يزال على جهوزية تامة للمواجهة رغم مشاركته في الحرب السورية، وفي هذا الإطار تلفت تلك المعلومات ان جديد حزب الله هو تطوير قوة بحرية خاصة به إنطلاقا من الإعتبارين الهجومي والدفاعي، هجومياً، رجّحت هذه التقارير أن يكون الحزب قد تَزوَّد بزوارق صينية الصنع، كما أنه أنشأ وحدة غوّاصات صغيرة يستطيع إشغالها عنصر واحد، ومن المقدر أن تكون السواحل الإسرائيلية والسفن الحربية الصهيونية على إختلاف أنواعها أهدافا لتلك الفرق البحرية الجديدة. اما دفاعياً، فلم يعد سرا امتلاك حزب الله صواريخ صينية معدلة مضادة للسفن، هما: س-701 الذي يتم توجيهه تلفزيونياُ ومداه 15 كلم، والثاني هو «س-802 نور» الذي يعمل حرارياً ومداه 120 كلم وهو يحمل رأساً متفجرة بوزن180 كلغ وهو مزوّد بأجهزة تشويش تمكّنه من الهروب من الصواريخ المعترضة بنسبة 98%. وهو يعتبر من أفضل الصواريخ الصينية بل العالمية المعترضة والمضادة للسفن.
اما على مستوى الدفاع الجوي، فتشير المعلومات الى ان حزب الله نشر بطاريات «إس إيه-8» في لبنان. كما أدخل منظومة «ستينغر» إلى ترسانته المتراكمة. وصاروخ «ايغلا» الروسي، وآخر التقارير الإسرائيلية تفيد أن «الايرانيين زودوا الحزب بصاروخ مضاد للطائرات من طراز «أي إي-8» وصاروخ ذاتي الدفع «أس إي أم8». وفي البر من بين الوافدين الجدد، صواريخ كورنت – 14 – هاء، الروسية الصنع، وميلان الفرنسي، اضافة الى قذائف أربي جي 29 .
وإذا كانت صواريخ حزب الله لم تتجاوز شعاع دائرته الـ70 كلم خلال حرب تموز، فإن التقارير تفيد بان إيران قامت مؤخرا بتزويد حزب الله «بصواريخ باليستية بعيدة المدى تعمل بالوقود الصلب ومجهزة بنظام توجيه عبر قمر صناعي، يتجاوز مداها 300 كلم وهي قادرة أن تطال كل المدن الإسرائيلية وصولاً إلى مفاعل ديمونة في صحراء النقب.
طبعا، الاجابة الوحيدة عند حزب الله على هذه المعلومات، لا جواب، لكن قادته لا ينكرون امتلاك جهوزية تامة لمواجهة اي اعتداءات اسرائيلية، «ونقطة على آخرالسطر»، هذا الغموض «البناء» هو احد الاسلحة «الفتاكة» في اي حرب مقبلة، فهل تقع قريبا؟ لا احد يعرف،ورجحان الكفة متعادلة، لكن الاكيد ان المنطقة تمر في مرحلة شديدة الخطورة، ولا يملك اي طرف القدرة على رسم ملامح المرحلة المقبلة بوضوح، قد تخرج الامور عن السيطرة، قد تمر اسرائيل في «لحظة تخل»، لكن المؤكد ان «اعداء» محور المقاومة لا يملكون وحدهم «مفاتيح» اللعبة، الجميع يملك «اوراق قوة»، وقد لا يكون سقوط صنعاء في يد الحوثيين آخر «المفاجآت»، وبالنسبة الى حزب الله فهو يتعامل مع المخاطر الاسرائيلية بجدية، وكأن «الحرب ستندلع غدا»…. ؟
لماذا يهدّد الروس العالم بالسّلاح النووي؟
كان الخطاب الذي أطلقه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال الاحتفال بضمّ الأقاليم الأربعة إلى روسيا بمنزلة استكمال للخطاب السابق الذي...