لنفترض اننا استفقنا ذات يوم، وقد زال النظام السوري. ما البديل؟
ألسنا كلنا امة افتراضية، ودولاً افتراضية، ومجتمعات افتراضية؟ اذاً، كيف تتصورون دمشق، على شاكلة مقاديشو ام على شاكلة بنغازي ام على شاكلة… هيروشيما؟
يقول لنا سياسي عتيق «لو كان لدى اسرائيل القليل من الحنكة وبعد النظر لباعت العرب، العرب تحديدا، رؤوسها النووية. في هذه الحال لا داعي لقطع الرؤوس. القنبلة يمكن ان تستخدم في حرب الازقة او حتى في حرب الغرف. هؤلاء هم العرب منذ ان قيل ان آدم كان يتكلم العربية. ابنه قايين كان يتكلم العربية الفصحى، ولهذا ضرب رأس شقيقه بالحجر؟
كم كان ديفيد بن غوريون غبياً حين اوفد شمعون بيريس مكوكياً الى الماتينيون، وحيث مقر صديقه غي موليه، من اجل بناء مفاعل ديمونا في صحراء النقب! حتى الآن تقدر كلفة الترسانة النووية الاسرائيلية بـ 4.5 مليارات دولار ذهبت كلها هباء الا اذا فكرّ بنيامين نتنياهو فعلا ببيعها بأضعاف سعرها الى اصدقائه العرب الذين لم تعد تعنيهم القنبلة التي في يد يوشع بن نون بل القنبلة التي في رأس علي خامينئي…
حين زار وزير الخارجية الاميركي جون كيري احدى الدول العربية فوجىء بمضيفه العربي يدعو الادارة الى ان تكسر تابو الخوف و تنقض على النظام السوري الذي لا يحتاج الى اكثر من بضعة صواريخ توما هوك لكي يتهاوى. على الفور رد كيري «هل تود دعوتي لضرب موسكو بالصواريخ؟».
لا ندري ما اذا كان شيخ القبيلة قد ادرك ما يعنيه شيخ الديبلوماسية الاميركية الذي اذ لا يعرف عنه اداؤه الخلاق، فهو مثل كوندوليزا رايس يصلح ان يكون ناطقا ميكانيكياً باسم البيت الابيض..
بعد الذي حدث في صنعاء، وأمس الحديدة، وغداً تعز، لم يعد هناك من مجال لطول البال. في المجالس الخاصة كلام من قبيل ان الايرانيين لم يغزوا صنعاء لاغراض تكتيكية، اي كخطوة ثأرية لما جرى في العراق، وانما لاغراض استراتيجية. الى اين يريدون الوصول بعد اليمن؟
لا بل ان ثمة من يسأل في اكثر من بلاط ما اذا كانت هناك صفقة ما بين واشنطن وطهران، والا لماذا السكوت الاميركي عن الاجتياح الايراني لبلد عربي؟ غدا ينفصل الجنوب لكي يشاغب على الخليج ايضا. ولان ثمة فارقاً هائلا بين العقل الامبراطوري والعقل القبلي يكون الرد على طريقة داعس والغبراء. قلنا … داعش والغبراء.
الايرانيون هددوا باحتلال العراق ان احتل الاتراك سوريا تحت الرايات العربية او دون الحاجة الى هذه الرايات. العرب لا يتجرأون على ان يبعثوا بجنرال واحد الى سوريا لان هذا الجنرال اما ان يلتحق بتنظيم الدولة الاسلامية او ان يلتحق بالنظام. لماذا؟ حتى الجنرالات لا يستسيغون تقبيل احذية السلاطين..
مرة ثانية، لنفترض ان النظام زال في سوريا، وليس هناك من نظام ابدي ولا من نظام مقدس (حتى الاساطيل تقول ذلك)، لسوف تجدون، حتما، ابا بكر البغدادي يؤدي الصلاة في الجامع الاموي بعد ان يرمي برفات محيي الدين بن عربي للكلاب، وبعد ان يأمر بتدمير ضريح صلاح الدين الايوبي لانه كردي اكراما لعيني رجب طيب اردوغان الذي ما زال يعتقد ويجزم بأن تاريخ المنطقة بدأ بمعركة مرج دابق لا بمعركة حطين..
نفهم ان يتقاطع بعض العرب مع بنيامين نتنياهو ويتعهدون له بأن دمشق ستقطع رأس كل من يفكر باعتاق ولو دجاجة في فلسطين، لكننا لا نفهم كيف يتقاطعون مع السلطان العثماني الذي يرى فيهم الفئة الضالة التي لا تجدي معها سوى السيوف او السياط. كل الذين يعرفونه عن كثب يؤكدون انه لا يرى في العرب سوى سقط المتاع…
لا بأس. هيئة انتقالية يأكل اعضاؤها بعضهم البعض حتى قبل ان يحين موعد العشاء. كيف يمكن للعرب ان يتفقوا على ممثليهم، وحجم تمثيلهم، في الهيئة، وكيف يقبل الاتراك بأن لا يكون رئيس الهيئة بمواصفات الوالي العثماني، وكيف يرضى بنيامين نتنياهو بأن يزرع كمال اللبواني فقط داخل الهيئة، وهو الذي في حقيبته (وهذه حقيقة موثقة) تسعة اعضاء من الائتلاف الوطني السوري يقبضون مخصصات شهرية من الموساد؟
في هذه الحال، ماذا يقول السوريون بالرغم من انهم تمزقوا او تشتتوا او اصبحوا، وعلى غرار الفلسطينيين، نزلاء المخيمات ( والى ان تستعاد غرناطة وتستعاد سمرقند ومعهما حيفا ويافا)؟ كما لو اننا نسأل عن انتفاضة الحطام. من قال ان الحطام لا يرتدي، في لحظة ما، ثوب الفينيق. هم السوريون ونحن ادرى بهم…
لا يزال لديهم جيش، ولم يسقط بالرغم من كل الاغراءات التي تتجاوز الخيال، وبالرغم من سنوات الاستنزاف، وخلافا لما فعله الاميركيون واتباعهم في العراق حين بنوا جيشا تساقط، كما اوراق الخريف، ودون ان يرف جفن لاولئك الجنرالات الذين من خزف والذين لاذوا بالفرار…
لن يقبل الجيش السوري، وهو ليس بأي حال جيش النظام بل هو جيش الدولة، بأن تتحول سوريا الى قهرمانة في سوق الامم او في سوق القبائل بعدما استكمل المشهد البانورامي كل ابعاده، فالعرب والاتراك ومعهم الاسرائيليون ليسوا من يصنعون الخبز والحرية لسوريا بل يصنعون منها هيروشيما التي تختزل عارنا، لكأن مهنتنا هي صناعة العار..
ذات يوم ستكون سوريا. الفينيق لم يغادر القاعة!
لماذا يهدّد الروس العالم بالسّلاح النووي؟
كان الخطاب الذي أطلقه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال الاحتفال بضمّ الأقاليم الأربعة إلى روسيا بمنزلة استكمال للخطاب السابق الذي...