آن الاوان لنقول للسعوديين والايرانيين ان صراعكم يدمرنا ويدمركم. اذا ما سألنا السعودية ماذا تبقى من العروبة، نسأل الايرانيين ماذا تبقى من الاسلام؟
للاضاءة فقط ما دمنا نعيش ليل الازمنة (وليل الامكنة) نستعيد كلاما للاستاذة في جامعة هارفارد ليندا بليمنز تقول فيه «هل من مصلحتنا تحويل الشرق الاوسط الى سوق للهياكل العظمية؟».
السؤال توجهت به الى ادارة باراك اوباما. احرى بنا ان نوجهه الى الرياض وطهران بعدما بدا ان المضي في اللعبة اياها يعني موت المنطقة، اي موتنا جميعا، دون ان نعرف لماذا وبعدما استزلمنا كسياسيين وكمثقفين وكمنظرين وكاعلاميين(وحتى كمرتزقة) لهذا البلاط او ذاك…
نحن الذين نكتب، لنتأمل جيدا في اصابعنا، هل تلطخت بالحبر ام تلطخت بالدم؟..
ايها السادة السعوديون والايرانيون اذا كنتم مختلفين حول العالم الاخر، فلا نعتقد ان ايا منكم اعطي صلاحية الوصاية على الله، ولا صلاحية الوصاية على الناس، وفي حقبة بات فيها من الضروري اطلاق العنان للنصوص لتتفاعل مع العصر، ولتتوهج في ثقافة العصر، بدلا من ان تتعفن وبدل ان تموت حينا في الفتاوى وحينا في اللعبة الجيوبوليتيكية التي حان الوقت لضبط الايقاع فيها، حتى الحرب العالمية الاولى انتهت، وحتى الحرب العالمية الثانية انتهت…
الذي نعيشه الآن اشد هولا من هيروشيما. ثمة قنبلة مجنونة وتدعى الايديولوجيا تحطمنا جميعا. من يستطيع القول ان الصراع إياه لن يحولنا، عاجلا ام آجلا، الى حطام؟
أليس الملك عبد الله بن عبد العزيز هو من اطلق حوار الاديان، ولا ندري ما اذا كان فعل ذلك ردا على نظرية صمويل هانتنغتون «صدام الحضارات» الذي هو، في الواقع، صدام الديانات؟
قرأنا ما قيل حول الدعوة التي تتوخى وقف الصراع حول الله، وبالتالي اطلاق دينامية مكثفة، وبعيدة المدى، لازالة الهوة بين البنى اللاهوتية، والاستراتيجية، للامم وحتى للقبائل، فلماذا لا يكون حوار المذاهب ولماذا لا يكون حوار الاستراتيجيات بدل ان نتبعثر دمويا في هذا الشرق الذي ترعرت فيه الحضارات الكبرى والديانات الكبرى؟
هل يتصور السعوديون الذين تتشتت امكاناتهم الهائلة انهم سينتصرون، وهل يتصور الايرانيون، بامكاناتهم الهائلة ايضا، انهم سينتصرون؟
الطرفان داخل دوامة الدم.نقول للسعوديين. هل من مصلحة العرب الا يبقى حجر على حجر في سوريا والعراق؟ ونقول للايرانيين اين هي مصلحة المسلمين في ان نقاتل ونقاتل لتكريس الشقاق و الضغينة، دون ان نكون هنا في موقع من يتهم بل في موقع من يصرخ، ومن يستغيث، لان الصراع الذي اباح دمنا ادى الى تفريغنا من الزمن…
ألم يصفنا برنارد لويس، وبتلك الفظاظة الفلسفية، بأننا مخلوقات لازمنية؟
اذا كنتم مختلفين حول سوريا فأين هي سوريا؟ انظروا الى مخيمات النازحين، والى عيون الاطفال، والى البراميل والى السواطير، و الى شذاذ الافاق الذين جاؤوا من اصقاع الدنيا لكي تبقى طواحين الدم، وهي حتما ليست طواحين الهواء، تعمل حتى يوم القيامة. هكذا قال ابو عمر الشيشاني: « سأظل اقاتل حتى تلامس روحي روح الله يوم القيامة؟».
هل المشهد في العراق احسن حالا، ونحن نشاهد كيف ان الرياح تذر الجثث في كل الاتجاهات، وقد بدا ان هولاكو الذي ظنناه حمل عصاه وعاد الى دياره استوطن وجوهنا، واسناننا، وايدينا، وحتى عباءاتنا ولحانا..
لن ينتصر احد منكم، ومن لا يعرف انكم تقاتلون بعضكم البعض في لبنان وفي سوريا وفي العراق و في اليمن؟ في كل بلد من هذه البلاد لكم انصاركم الذين يتقنون صناعة الحجج، كما يتقنون صناعة الموت، فهل يمكن لاي فريق ان يلغي الاخر؟ بطبيعة الحال لا. لماذا لا تكون لحظة العقل، ولحظة التعقل، ويكون البحث في التسوية التدريجية للازمات بدلا من النفخ حينا في الابواق وحينا في الغرائز؟
ارهقتنا لعبة الهاوية. مهما تكون قضاياكم، او مصالحكم كبيرة، ومهما تكون رؤوسكم عالية، فلستم انتم اهل القطاف، بل انهم القياصرة الذين سبقونا بكثير وامسكوا بمفاصل الكرة الارضية، بل انهم، وكما يقول ريجيس دوبريه، يراقصون التاريخ كما لو ان احدهم يراقص القهرمانة…
تعرفون بطبيعة الحال ماذا تعني الجيوبوليتيكا، فهل انتم الذين تقررون حقا الشخصية الجيوبوليتيكية لكل من تلك الدول بعدما تصدعت وتشتتت وحلت فيها اللادولة محل الدولة، ام انكم تراهنون على الساعة التي يحين فيها ابرام الصفقة او الصفقات التي تعني شيئا وحيدا ان هذا كله يحصل باحلال الجماجم محل الحجارة على رقعة الشطرنج..
وقد يكون الصراع ممكنا بل وضروريا اذا ما اطلق دينامية معينة داخل المجتمعات، ولكن حين يغدو الصراع صراع المذاهب، وصراع الغيب، وصراع القبور، وصراع الفتاوى، من يستطيع القول انه سيبقى بمنأى عن الحرائق و بمنأى عن النهاية. على الاقل خذوا برؤية الاخضر الابراهيمي الذي تنبأ بأن تأكل النيران كل ذلك الهشيم البشري الذي حول سوريا، فكيف اذا اندلعت النيران في العراق و اليمن. على ماذا تراهنون اذاً؟
في زمن الامبراطوريات، غير مسموح لكم سوى ان تلعبوا بالخراب. لا مكان لكم لا في لعبة الجغرافيا و لا في لعبة التاريخ..
فات الاوان لنسأل من المسؤول. هذا سؤال المغفلين. في هذه اللعبة من المغفل؟
نبيه البرجي
لماذا يهدّد الروس العالم بالسّلاح النووي؟
كان الخطاب الذي أطلقه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال الاحتفال بضمّ الأقاليم الأربعة إلى روسيا بمنزلة استكمال للخطاب السابق الذي...