هل تنظيم الخلاف داخل طائفة الموحدين الدروز بين اقطابها وقياداتها، لا سيما بين النائبين وليد جنبلاط وطلال ارسلان، حول الازمة السورية وموقف كل منهما قد توقف، بعد المواقف الاخيرة لكل من الزعيمين «الجنبلاطي» و«اليزبكي»، مع الاحداث التي حصلت مؤخراً في قرى وبلدات في القنيطرة عند سفح جبل الشيخ في الجانب السوري، حيث سقط عدد من القتلى والجرحى على يد «جبهة النصرة» التي يهادنها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي على حدّ قول مصادر درزية، ويدعو دروز سوريا الى الانضمام لصفوف «الثورة السورية» وفك الارتباط مع النظام السوري، وهو ما يخالفه الرأي رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني الذي يدعو الى مساندة الجيش السوري ومقاتلة الجماعات التكفيرية الارهابية، ويقف الموقف نفسه الامين العام لـ «حركة النضال اللبناني العربي» النائب السابق فيصل الداوود الذي يبقى على تواصل مع ابناء طائفة الموحدين في سوريا، وهو الاقرب اليهم جغرافياً، وتحديداً في مناطق ما يسمونه «الاقليم»، الذي يدعم موقف اهل بلدات عرنة وحضر وقلعة جندل وبقعسم واشرفية صحنايا ذات الغالبية الدرزية، وليس من موقع طائفي او مذهبي كما يقول الداوود الذي يؤكد لـ «الديار» بأن المعركة في سوريا وطنية بين الدولة السورية والارهابيين والتكفيريين، والدروز في كل تاريخهم كانوا مع دولتهم ومؤسساتها وحماة السيادة والاستقلال، فرفضوا الاستعمار الفرنسي وقاتلوه بقيادة سلطان باشا الاطرش الذي تحالف مع الوطنيين السوريين لنيل سوريا استقلالها، وقد شارك دروز من لبنان في معركة اخوانهم في سوريا بهذه المعركة، وهم اليوم يقفون مع الشعب السوري في محاربة الارهاب و«النصرة» مصنفة مثل «داعش» بأنها ارهابية.
فارسلان والداوود ومعهما حلفاء لسوريا كالحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب «التوحيد العربي» برئاسة وئام وهاب، ايدوا حرب الدولة السورية على الارهاب، وهو ما لا يراه جنبلاط وفق قراءته، اذ ما يهمه ان يرى «جثة عدوه تطفو في مجرى النهر وهو يتفرج عليها»، وهو يقصد الرئيس السوري بشار الاسد، وفق ما تقول مصادر درزية معارضة لموقف جنبلاط الذي تمكن من خلال الاتصالات واللقاءات ان يتوصل الى ما يشبه الاتفاق ولو غير المكتوب، بان يعلن كل طرف سياسي على الساحة الدرزية ولكن دون تحريض وعدم تأليب الدروز لا على النظام ولا ضده، وترك شؤون دروز سوريا لهم فهم يقررون كما ابلغ حلفاء سوريا من القيادات الدرزية في لبنان النائب جنبلاط، والا يدعو دروز سوريا الى الانشقاق من الجيش او اقفال المناطق الدرزية في سوريا بوجه النظام وفتحها «للثورة السورية».
ولقد التزم جنبلاط لفترة تخفيف تحريضه على النظام وتوجيه نداءات الى دروز سوريا، وهو ما انعكس هدوءاً داخل الطائفة الدرزية في لبنان، ولم يحصل اي اشكال فيها على خلفية الازمة السورية، وظلت الاوضاع الامنية تحت السيطرة، واكتفت الاطراف السياسية الدرزية بالتعبير عن مواقف ضمن حدود الانضباط تحت سقف عدم نقل الصراع السوري الى الارض اللبنانية وخصوصاً في الجبل، ومرت السنوات الاربع هادئة، كما تقول المصادر، وقد تفهم كل طرف لموقف الآخر.
الا ان الاحداث التي وقعت في القنيطرة منذ حوالى عام وكانت اقساها شراسة ودموية، ما جرى نهاية الاسبوع الماضي، بين مسلحي «النصرة» في بيت جن وجباتا الخشب، ومقاتلي «الدفاع الوطني» الذي ينتمي اليه ابناء القرى الدرزية باغلبيتهم لمساندة الجيش السوري في الدفاع عن بلداتهم التي سبق لـ «النصرة» ان دخلت قرية مغر المير وقتلت اهلها وخطفت ابناءها وسبت نساءها، وهو ما حرّك ابناء البلدات الاخرى للتسلح وتشكيل لجان شعبية والانخراط في «الدفاع الوطني» للحماية من مسلحي «النصرة» وحلفاء لهم.
وفي الوقت الذي كان يُقتل فيه ابناء الموحدين في قرى القنيطرة كان جنبلاط تضيف المصادر، يدعو محازبيه الى عدم التعرض لمسلحي «النصرة» اذا ما عبروا من مناطق حاصبيا وراشيا، وقد غاظه واغضبه ان عناصر من الحزب التقدمي الاشتراكي اعترضوا سيارة باص صغيرة قبل شهرين تنقل مسلحين في عين عطا، وهم كانوا في حراسة ليلية لبلدتهم، فقتلوا احد الركاب، وكادت الحادثة ان تتطور وتأخذ ابعاداً مذهبية، بعد ان رفض مشايخ لديهم انتماءات اسلامية متشددة ما حصل للباص، مما اضطر جنبلاط الى تكليف الوزير وائل ابو فاعور للاتصال بالشيخ احمد اللدن وتوضيح له الموقف، وبان ما حصل حادث محلي، وهو ما دفع برئيس «جبهة النضال الوطني» الى الانتقال الى منطقتي حاصبيا وراشيا والتجول فيهما والقيام بزيارات الى شبعا وبلدات اخرى، واجراء لقاءات مع مراجع دينية وسياسية من الطائفتين الدرزية والسنية في المنطقة لتبريد الاجواء، ورفض المظاهر المسلحة او «الحمايات الامنية الذاتية» وترك الامر لعهدة الجيش والبلديات.
فالموقف الجنبلاطي المرن من «النصرة»، لم يرق لاطراف درزية اخرى كارسلان والداوود ووهاب والقوميين الاجتماعيين الذين يجارونه في عدم نقل الخلاف الى داخل الطائفة الدرزية، لكنهم لا يوافقونه الرأي بالهدنة مع «النصرة» او التكفيريين، ولا تسهيل العبور لهم من المناطق الدرزية، كما تقول المصادر المعارضة لجنبلاط التي تأخذ عليه انه اخلّ بالاتفاق، وكانوا يسكتون عن مهاجمة النظام السوري، ويغضون الطرف عن تناوله الرئيس الاسد الذي كان يوجه له جنبلاط الشتائم، لكن ان يلعب بمصير الدروز فهذا امر مختلف جداً، ولا تكون حمايتهم من الجزار الذي سيذبحهم وهو «النصرة» وما يشبهها من جماعات تكفيرية حتى ولو اعتبرنا انه حسن النية ويريد «حماية الدروز» كما يقول، لكنه في ما يعلنه هو استهداف النظام، فعندما يطلب من الدروز في سوريا الالتحاق بالثورة، فانه يدعوهم الى ان يفتحوا الطريق من بلداتهم وقراهم الى دمشق لاسقاط الرئىس الاسد، حيث تشكل البلدات ذات الكثافة الدرزية حاجزاً جغرافياً امام المسلحين، وهو ما يرفضه حلفاء سوريا في لبنان من القيادات الدرزية، لان جبنلاط في موقفه هذا يتدخل في سوريا ويحرّض على النظام، كما فعل في السابق عندما دعا الدروز في الجيش السوري الى الانشقاق فلم يلب احد، وهو احتضن منشقين وأواهم في الجبل ومنهم اللواء الطيار ابراهيم المقت، واقامة حفل تأبيني في عاليه للملازم المنشق الذي قتل في درعا خلدون زين الدين وتكلم فيه الوزير اكرم شهيب.
فالهدنة الدرزية انهارت مع عودة جنبلاط لتحريض دروز سوريا، يقول معارضون له داخل الطائفة، وهو ما سيتحدث عنه اليوم، رئىس الحزب الديموقراطي اللبناني النائب طلال ارسلان الذي سيحدد موقفه من التطورات الاخيرة، ولكن سقوط الهدنة لا تعني توترات على الارض، لان لا احد يريد اشعال صراع داخل الطائفة الدرزية التي يدور الصراع فيها حول من يحميها ومن يعزز وجودها في سقوط الحدود، وولادة «امارات اسلامية» ودعوة الى «خلافة اسلامية»، وخوف عند الاقليات، وصراع مصالح امم؟
كل هذه التساؤلات مطروحة على الطائفة الدرزية التي لم يلق قادتها بعد الجواب، لان الصراع كبير جداً، والتحول في العالم نحو نظام جديد، لم يُرسم بعد.
تعميم المركزي يخفض سعر صرف الدولار؟
بعد أن اصدر مصرف لبنان تعميماً جديداً يلزم المصارف بالحصول على موافقة مسبقة منه قبل فتح اعتمادات او دفع فواتير...