أمام مشهد الإعدام القاسي والمروّع والمقزّز الذي نفّذه تنظيم «داعش» بحق الشهيد في الجيش اللبناني عباس مدلج، تبدو كل المقاربات والتأويلات والتحليلات في قضية المفاوضات الجارية لإنقاذ الجنود المخطوفين وكأنها تدور في فلك آخر وفي مناخ مختلف، وذلك نظراً لاختلاف المشهد المخيف والمثير والموجع عن المساعي السياسية المحلية والإقليمية. وقد اعتبر مصدر نيابي في تيار «المستقبل»، أن الأبرز في هذه الجريمة كان موقف عائلة الشهيد مدلج الذي ارتقى فوق كل الضغائن ومشاعر ردّ الفعل البشرية إلى الدعوة للحفاظ على الوطن ودرء الفتنة، تزامناً مع تأكيد الإلتفاف حول الجيش والمؤسّسات الأمنية والرسمية. وإذ وجد أن ما حصل يشكّل فاجعة وطنية على كل المستويات، شدّد على أن الوصول إلى مستوى ترقّب ردود فعل الخاطفين الإرهابيين يكشف عن مدى المأزق المتمثّل بخطف العسكريين، وعن مدى التعقيدات المحيطة بما يجري الحديث عنه من تواصل عبر قنوات خارجية، وتحديداً قطرية، مع تنظيم «داعش» و «جبهة النصرة» اللذين يحتجزان الجنود منذ أكثر من شهر في جرود عرسال.
وأضاف المصدر النيابي نفسه، أنه على الرغم من السرّية المحيطة بمجمل ملف العسكريين المخطوفين، فإن رفض خيار المقايضة مع التنظيمات الإرهابية والحديث عن التفاوض كسبيل وحيد متاح أمام الحكومة في هذا الملف، قد أدخل الأزمة في نفق من الغموض عزّزته «داعش» من خلال جريمتها المروّعة بالأمس، والتي كادت أن تشعل الشارع اللبناني، وتسبّب ردود فعل قاسية بحق النازحين السوريين لو لم يتدارك الجيش الأمر، وقام باتخاذ تدابير مشدّدة في أماكن تواجد هؤلاء النازحين في أكثر من منطقة لبنانية. ولاحظ المصدر ذاته أن هذه القضية، والوضع الميداني في عرسال بالغا الحساسية من الناحية الأمنية، وذلك بسبب التهديد المتمثّل بتواجد المسلّحين في جرودها، والذي يهدّد كل منطقة البقاع وليس فقط البلدة من جهة، وبسبب انتفاء كل ظروف التضامن وغياب البيئة الحاضنة للإرهاب والتنظيمات السورية المسلّحة في عرسال، كما في أي منطقة، من جهة أخرى.
وانطلاقاً من هذا المشهد، فإن الحكومة تكاد تبدو ضعيفة، إن لم تكن غير قادرة على تولّي أزمات كبيرة على الصعيد الأمني في الدرجة الأولى، كما أضاف المصدر النيابي في تيار «المستقبل» نفسه، والذي كشف أن الخلافات الوزارية كادت تهدّد الحكومة نفسها خلال المداولات حول سبل مقاربة قضية العسكريين المخطوفين. واعتبر أن اندلاع الإشتباكات بعد ساعات معدودة على إعلان «داعش» عن جريمته بحق الجندي الشهيد عباش مدلج، لا يندرج في سياق تداعيات هذه الجريمة، بل هو محاولة هذا التنظيم فرض أمر واقع جديد في المنطقة من خلال الضغط بكل الوسائل لدفع المنطقة نحو الفتنة في الدرجة الأولى، وأشار إلى أن الجيش اليوم أمام مسؤوليات مضاعفة نظراً لازدحام التحدّيات الداخلية والحدودية أمامه، مشدّداً بالتالي على أن الدعم المعنوي والإلتفاف الوطني الشامل حول دوره ما زالا منقوصين، وذلك بسبب محاولات بعض القوى السياسية المزايدة واستغلال الواقع الأمني لتحقيق مكاسب «فردية».
وخلص المصدر النيابي في تيار «المستقبل» إلى أنه، وفي معزل عن الخطاب السياسي لدى كافة القوى والأطراف في فريقي 8 و 14 آذار، فإن الأولوية اليوم هي لاستئناف الحوار المفتوح والشامل بين قيادتي الفريقين، لأن المصير بأكمله معرّض للخـــطر، ولا خـلاص من الفـتنة الزاحفة إلى الداخل اللبناني، إلا عبر التوافق مهما كانت الفروقات في المواقف من الصراع في سوريا تحديداً كبيرة والإنقسامات عميقة. وشدّد على أن «المكابرة» مرفوضة في هذا المجال، لأن كل المعطيات السياسية والأمنية تنبئ بأن هناك مخطّطاً لتعبئة مذهبية تمهّد لصراعات أهلية في الشارع اللبناني الداخلي، وما من وسيلة لمواجهة هذا المخطّط إلا من خلال الحوار الشامل بين الجميع من دون استثناء لتحديد خطة مواجهة للتحدّيات الآتية.
تعميم المركزي يخفض سعر صرف الدولار؟
بعد أن اصدر مصرف لبنان تعميماً جديداً يلزم المصارف بالحصول على موافقة مسبقة منه قبل فتح اعتمادات او دفع فواتير...