حين يقول لك الشيخ السلفي «هم يصعدون بك الى المريخ، نحن نصعد بك الى…الجنة»!
اما الحياة فهي «مَرْكبة الآثمين». لا سبيل امامك سوى ان تغتسل بالموت لكي تصل الى هناك. الآن، ثمة اعصار ويدعى «ثقافة الغيب». هي تستشري، كما اي وباء آخر، في كل المجتمعات العربية ( والاسلامية)…
غريب ان يكون من يقود اعتصام الاهالي، و يلعب بدقات قلوبهم ويهدد بالتحول الى «دواعش»، وغريب ان من يطرح نفسه للتفاوض (اذا رأيتم وجهه البهي ولحيته الاكثر بهاء)، وغريب ان من نظم رحلات سياحية الى الجرود ليزيد في لوعة الناس و انكسار الناس، هم من اولئك الذين يقتاتون مما كان يصفها محمد اركون بـ «الفضلات التي يلفظها الجحيم».
تلك المصطلحات التي يزرعونها في وعينا وفي لاوعينا لا يمكن الا ان تكون من فضلات …الجحيم؟
لاحظنا كيف كانت ردة فعلهم على الحوار بين تيار المستقبل و«حزب الله». هل لغة العقل هي لغة السكاكين؟
المشكلة ليست هنا، اولئك الشيوخ الذين نعلم ان الكثيرين، الكثيرين، منهم يعيشون على فتات الف ليلة وليلة، والذين احترفوا النفاق و الارتزاق، التبعية والزبائنية، لا يملكون سوى ان يواجهوا الحوار بصرخات الدم. ولكن ألا يقلدهم بعض السياسيين عندنا( قلنا الغربان بالياقات البيضاء) والذين يشككون بجدوى الحوار، كما لو ان هذه اللحظة، وقد اصبحنا على حافة الهاوية، لا تفترض بنا الالتقاء وامامنا بند واحد على جدول الاعمال: انقاذ لبنان و اللبنانيين من ان يحل به وبهم ما يحل بسوريا و السوريين، وبالعراق و العراقيين؟
ماذا عندما تقول اجهزة الاستخبارات الاميركية ان عدد المقاتلين الغرباء في سوريا اثنا عشر الفا؟ جيش جرار ويعمل من اجل تحرير السوريين من سوريا وتحرير سوريا من السوريين. هذا الجيش في الطريق الينا…
ندرك اي ظروف صنعت الهوة بين التيار و الحزب، ومن هي الايدي التي كما تلعب في لبنان تلعب في سوريا و العراق ومصر و ليبيا وغيرها و غيرها، في صياغة السيناريوات القاتلة، وحيث تنتهك، دمويا، الثروات، والانظمة، والاجيال التي بدل ان تشق طريقها الى المستقبل تشق طريقها الى اللامعنى…
من يقول لتلك الببغاءات التي على شاشاتنا، لقد سئمنا لغة الدمى، ولغة الموتى. الوجوه إياها، والتعابير إياها، والضحالات إياها، والاضاليل إياها، ولا احد منهم يشعر بأنه يطبق على صدر اللبنانيين كما تطبق اللحوم الفاسدة، والمياه الفاسدة، والارغفة الفاسدة…
نحن مع الحوار. اجل الحوار من اجل الحوار، وليس من اجل اي شيء آخر لاننا بحاجة الى ان نجلس الى بعضنا البعض. لا بأس ان نردم الهوة بالضحكات لا بالضحايا، وبعدما تبين ان الخلايا التي على السطح، وعلى الشاشات، اشد فتكا من الخلايا النائمة او الخلايا التي تتجول داخل الجدران…
كلبنانيين، ترانا نستحق ان يلهوا بنا بهذه الطريقة، حين تكون المشكلة قانون الانتخاب اولاً ام رئاسة الجمهورية اولاً؟ يا جماعة هل ترون ما يحدث في سوريا، لكأنه يحدث في عقر دارنا، وهل ترون ما يحدث في العراق، لكأنه يحدث في عقر دارنا؟
متى ندرك اننا امام صراع البقاء، وان ثمة قاذفات لا حصر لها في اجوائنا، وان اصحابها الكبار يريدون الثمن حتى ولو من جثثنا، وان ثمة على الارض من يستخدمون لحاهم، واسنانهم، وسكاكينهم، لازالة من بقوا، بالصدفة، على سطح الارض…
الانظمة بذلت قصارى جهدها لنكون مسرحا خشبيا للعبة الغيب. لا مكان لنا في القرن. الآخرون يفكون الغاز الكون، و يبنون التكنولوجيا الخلاقة في الاتصالات وفي الطب و في اقتصاد المعرفة، ونحن والغون في التسويق لما ينتظرنا في القبر. تابعوا المواعظ والخطب التي كما لو انها لغة من دعاهم تيار دورشاردان بـ «اساقفة الرماد» لا لغة من يدعو الناس الى كلمة سواء…
كل جلساتنا، كل حواراتنا، كل احاديثنا حول الغيب، كما لو ان الحياة صنعت من اجل ان تكون مستودعا للهباء.ثمة قرار ما بأن نكون تحت الامم( في لعبة الامم) وتحت القبائل (في لعبة القبائل).
نتوقف عند قول باتريك موديانو، الفرنسي الذي حاز اخيرا نوبل في الآداب، «في باريس ترعرعت وانا اتنشق هواء الزمن». يفترض بنا ان نترعرع ونحن نتنشق …هواء العدم!
ذاك الطراز من الغيب يحتلنا، يستهلكنا، يطحننا. احد القيمين عليه وصل الى حد القول، علنا، ان اب النبي محمد وامه كافران وهما في النار، فيما يُتهم حتى الازهر بالكفر و الزندقة لانه يأخذ بالاشعرية الوسطية، وكان يفترض به ان يأخذ بفقه البادية و بهيستيريا البداوة…
ولقد كنا نأمل من المؤتمر الاخير في الازهر، ولطالما احيط بذلك البريق الاعلامي. الا يكتفي بالمواعظ، والتوصيات، بل ان يلج الى عمق المشكلة واسبابها. لم يتجرأ. ترك المسرح، وترك الحياة لقتلة الحياة. اجل لم يتجرأ وانتم لعالمون….
تعميم المركزي يخفض سعر صرف الدولار؟
بعد أن اصدر مصرف لبنان تعميماً جديداً يلزم المصارف بالحصول على موافقة مسبقة منه قبل فتح اعتمادات او دفع فواتير...