يصح على الجلسات الثلاث الأخيرة التي عقدتها الغرفة الأولى في المحكمة الخاصة بلبنان، على مدى الأيام الثلاثة الأخيرة، تسمية جلسات تثبيت التضليل في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
وقد اكتشف المراقبون، بأدق التفاصيل، كيف أن المتهمين بجريمة 14 شباط 2005، وهم ينتمون الى الجهاز الأمني في «حزب الله» برئاسة مصطفى بدر الدين، قد أخرجوا باتقان عملية تحويل المسؤولية، زوراً، نحو جهات حمّلت لافتة التطرف الإسلامي، فيما ثبت غيابها، بشكل مطلق، عن مسرح الجريمة.
واكتشاف عملية تزوير الاتهام، لم يكن بالأمر السهل، بل بدا نتاج جهد كبير وعلى فترات، شارك فيه الى محققين لبنانيين ودوليين، أهل اختصاص في العلم الجنائي ومختبرات.
وبعد البروفسور فؤاد أيوب، أطل أمام غرفة الدرجة الأولى، وفي قاعة أنطونيو كاسيزي، حيث تنعقد جلسات المحاكمة، الدكتور عصام منصور، وهو خبير في الحمض النووي ومستشار العلوم في جامعة العلوم والتكنولوجيا، الذي تولى عمليات فحص الحمض النووي، لكل الأشلاء التي عُثر عليها في مسرح جريمة اغتيال الحريري، ومن بينها تلك الخاصة بإسمين، حمّلا، زوراً، مسؤولية تنفيذ الجريمة: أحمد أبو عدس وخالد مدحت طه.
ولم يجد الدفاع عن المتهمين، حيال الأدلة المهمة التي راكمها الادعاء لمصلحة قراره الاتهامي، سوى اللجوء الى التشكيك بنتائج التحاليل، من خلال إثارة مسألة عدم نيل المختبر ذي الصلة شهادة الجودة.
ولكن الغرفة، كانت قد حسمت هذه المسألة مسبقاً، عندما أعلنت، قبيل بدء استجواب الشاهد عصام منصور، اقتناعها بأنه «خبير مؤهل وذلك بموجب المادة 161 كما تفسرها المبادئ العامة للقانون الجنائي الدولي».
وقد شرح منصور، بعد جولة نظرية لتثبيت أهمية فحوص الحمض النووي في عالم مكافحة الجريمة، كيف أنه، ومن دون أن يعلم بالأسماء، توصل الى نتائج تفيد بأن أحمد أبو عدس، بالاستناد الى الجينات التي استخرجت من فرشاة أسنانه، هو الابن البيولوجي لوالديه المعروفين، وأن أي أثر له لم يظهر في مسرح الجريمة بالاستناد الى العينات التي وردت إلى مختبره منها، ولا سيما تلك التي تعود الى شخص لا يزال مجهول الهوية، يقول الادعاء بالاستناد الى الأدلة التي يستعرضها تباعاً، إنه الشخص الذي كان يقود شاحنة «الميتسوبيتشي» البيضاء التي جرى تفجيرها بموكب الرئيس الحريري.
وبذلك تطابقت أقوال منصور كلياً مع أقوال البروفسور أيّوب الذي شهد، على مدى يومين سابقين، أمام غرفة البداية.
ومن ثم ورداً على أسئلة الادعاء العام، جزم منصور بأن خالد طه، لم يعثر على أي أثر له في مسرح الجريمة هو الآخر.
لم يلفظ منصور اسم خالد طه، ولكن الادعاء العام تحدث عنه في جلسة الاستماع الى إفادة أيوب، أمس الأول.
وروى منصور أنه أخذ من علكة كان يمضغها أحد والدي خالد مدحت طه (والدته وفق الادعاء العام في جلسة شهادة أيوب)، وفحص حمضها النووي، من ثم أجرى مقارنة بينها وبين الجينات الوراثية الخاصة بالأشلاء الصغيرة جداً بما فيها السن العائدة الى «مجهول ساحة الجريمة»، فظهرت غير متطابقة.
وأشار الشاهد الى أن استخراج البصمة الجينية، لم يعتمد على المطابقة 100 بالمائة، أي مطابقة الجينات للوالدين معاً، بل جرى أيضاً البحث عن مطابقة 50 بالمائة، (أي لناحية الوالدة حصراً)، ولكن لم تكن متطابقة حتى على هذا المستوى.
وفيما أرجئت المحاكمة الى 15 تموز المقبل، لتمكين الدفاع عن المتهم حسن حبيب مرعي، من تحضير نفسه أكثر، بدا واضحاً أن الادعاء راضٍ جداً على مسار المحاكمة، بفعل تقديم الشهود أدلة علنية لمصلحة أسس قرار الاتهام الذي يحاول الدفاع عن نسفه بإثارة الشك، سواء بقدرات الشهود العملية، أو بجودة المختبرات، أو بصحة استنباط الأدلة من مسرح الجريمة.
وورود اسم خالد طه في الجلستين الأخيرتين، يسلط الأضواء على أن التضليل واكب عملية اغتيال الرئيس الحريري لسنوات أخرى، حين اخترق التحقيقات الأولية أشخاص لا يزالون مجهولي الهوية (علناً) وأقنعوا ما سمي مجموعة الـ13 بتقديم رواية عن اغتيال الحريري، قالوا فيها إن أحمد أبو عدس وصديقه خالد طه، كانا معاً في الشاحنة التي اقتحمت موكب الحريري وانفجرت فيه.
المستقبل- فارس خشّان