حين كنا نظن ان كل فرنسي هو آلان ديلون، وان كل فرنسية هي بريجيت باردو. وكنا نظن ان كل من دخل الى الاليزيه فيه شيء ما من لويس الرابع عشر او من نابليون بونابرت…
وحين ظهر رسم لنيكولا ساركوزي في «الاكسبرس» بلباس الملك الشمس وعلى حصان من قال «من بعدي الطوفان»، بدا اكثر كاريكاتورية من دونكيشوت. ماذا نقول، اذاً، في فرنسوا هولاند الذي تدنت شعبيته الى الحد الذي حمل معلقين فرنسيين على القول «يبدو انه لم تعد سوى قدميه عالقتين عند باب الاليزيه».
جان دانيال رثى، في مقالة اخيرة له، «النوفيل اوبسرفاتور» كما لو انه يرثي الازمنة الجميلة، والوجوه الجميلة، والادمغة الجميلة. ثقافة النجوم توقفت. لا شارلمان، ولا جان بول سارتر، ولا شارل ديغول، ولا ايزابيل ادجاني ولا ايف سان لوران. الآن ثقافة هلمجراً…
ألم يقل فرنسوا بايرو عن هولاند «كما لو انه طباخ القصر». الطباخ الرديء حين تكون هذه سياسة فرنسا. هي السياسة التي يصنعها، عادة، باعة الارصفة…
ونسأل ما هي خفايا تلك العلاقة الوطيدة بين الرئيس الفرنسي ونظيره التركي حول سوريا تحديداً؟ نعلم ان الدفاع عن اي نظام، اياً كان شأن هذا النظام، مستحيل في الحالة العربية، ولكن هل ان فرنسوا هولاند حين يجاري رجب طيب اردوغان في سعيه (الهائل والعبثي في آن) لتقويض النظام انما ينطلق من اخلاقية معينة، ومن قيم معينة، وهو الذي على بينة تامة من ان اردوغان اكثر صلفاً، ورغبة في الفتوحات، من اي سلطان عثماني آخر؟
لا احد مثل اردوغان، ويتبعه هولاند، في الذهاب بالانتهازية الى حدود الفضيحة. الفضيحة حين تكون عارية وحتى من ملابسها الداخلية، فالواضح ان هولاند الذي يعاني من الغروب الفرنسي (مع ان فرنسا ليست بأي حال عشيقته كما كانت عشيقة شارل ديغول) ومن الضآلة (والضحالة) الشخصية، يبحث عن دور حتى ولو في المستنقعات. ولنقل… مستنقعات الدم.
اردوغان الذي كان يحلم بأن يكون الخليفة فعلا، لا ذلك الذي صنعته تكتيكيا الاستخبارات التركية ابو بكر البغدادي، تعثر عند كل الابواب، وسقط عند كل الابواب، وهو الذي استجلب الدرع الصاروخية الى بلاده من اجل ان تؤمن الولايات المتحدة له التغطية لتحقيق احلامه العثمانية (والسلجوقية)، كما لو انه لا يعلم ان الاميركيين هم الذين يشغلّونه، وتبعاً لخارطة المصالح. كتب احمد بهاء الدين ذات يوم «ان السيدة اميركا لا تعطي السيدة الشغّالة سوى غبار الاحذية».
اردوغان الذي مضى به التقهقر الى حيثما مضى لم يجد من باب يطرقه سوى باب هولاند الذي، بدوره، مضى به التقهقر الى حيثما مضى. كل واحد يتكىء على كتف، او على عكاز، الآخر.
لم يعد امام السلطان العثماني سوى سوريا، وسوى ان يستحدث منطقة عازلة، او منطقة حظر جوي، بعدما اشترط لمساعدة الاكراد ضرب النظام. نسأل لماذا كل هذا التركيز، ومن انقرة بالذات، على النظام، وهو الذي يعلم ان المسألة اكثر تعقيدا بكثير مما يظن او مما يحلم كونه مجرد طارىء، طارىء ثقيل الظل، على لعبة الامم؟
من لا يعرف ان رئيس الاستخبارات التركية حقان فيدان هو المهندس الفذ لتنظيم الدولة الاسلامية (داعش)، الامر الذي يدركه الاميركيون، اذ لا بد للسلطان من تلك الانكشارية البلهاء والتي تشق امامه الطريق بالجثث ليضع يده على العالم العربي بأسره، وليس سوريا و العراق بل و الخليج ومصر…
لاحظوا ان الشيخ بلال دقماق الآن في تركيا. ماذا يفعل هناك؟ لا نعتقد ان الرجل الذي كان يعظ، ويحرض، بأظلافه، من اجل الفتنة الكبرى ذهب الى اسطنبول من اجل ليلة رومانسية على ضفاف البوسفور. من كانوا معه يقولون انه رجل الاستخبارات التركية بالدرجة الاولى. الاستخبارات التي لا يخفى على احد من يفرش امامها الذهب لتحقيق اغراض استراتيجية، وايديولوجية معينة. السعوديون يعلمون كل التفاصيل، ولكن في الفم ماء. الدم في افواه اخرى..
ومن كانوا معه يتحدثون عن التنسيق بين الرجل و الاستخبارات التركية لتفكيك الجيش اللبناني واقامة الامارة، فالخطة واحدة من جرود عرسال وحتى سهول نينوى، والتفاصيل اكثر من ان تكون مروعة، فأين هي مصلحة هولاند في ان يكون تابعا، او حتى حليفا، لاردوغان الذي على الطريقة العثمانية اياها يدفع في اتجاه الحرب الاهلية في لبنان وفي غير لبنان؟
وهل يتصور الرئيس الفرنسي ان باستطاعة نظيره التركي ان يعطيه شيئا، اي شيء، حتى عندما ينصحه بالقبول بعبور البيشماركة الى عين العرب (كوباني) حتى لا تسقط الورقة الكردية (ومعها مسعود برزاني) بالكامل من يده؟ ايضا حتى لا ينفجر الداخل التركي، ويصيب تركيا ما اصاب بلدان الجوار…
وراء الستار تعمل الاستخبارات التركية لتسويق» جبهة النصرة» على انها البديل (البهي) عن «داعش». اذا كان الاليزيه غافلا عن ذلك، فهل ان الاستخبارات الفرنسية غافلة ايضا. ثمة كلام عن نصيحة المانية لباريس بعدم التهور وعدم الانزلاق. لكنه فرنسوا هولاند. لنتصور كيف يبدو اذا ارتدى ملابس لويس الرابع عشر وامتطى حصانه. أهكذا تقهقهون؟..
نبيه البرجي