رسمت المراجعة العسكرية لعمليات دول التحالف الدولي ضد تنظيم «داعش» لوحة أولية لمشهد الصراع الدائر في سوريا والعراق، بحيث لاحظ القادة العسكريون لهذه الدول الذين اجتمعوا في قاعدة أندروز الجوية الأميركية، أن ما حقّقته المرحلة الأولية من الحرب على «داعش» قد لا يكون كافياً، على حدّ قول مصدر ديبلوماسي غربي في بيروت، في الحدّ من تقدّم هذا التنظيم الإرهابي عراقياً باتجاه العاصمة بغداد، أو سوريا من خلال صدّ هجوم «الداعشيين» على مدينة عين العرب الكردية السورية، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن التحالف فشل في حربه، بل على العكس، فإن الغارات الجوية الدولية والعربية قد نجحت في وقف مجزرة ضد أهالي كوباني، وإن كان الهجوم ما زال مستمرّاً من قبل «داعش» على المدينة. أما على المستوى العراقي، فإن سيطرة هذا التنظيم على هيت العراقية ليست مؤشّراً على اقتراب موعد معركة بغداد التي يجري التلويح بها، بل وضعها المصدر الديبلوماسي، في سياق عمليات الكرّ والفرّ الجارية في العراق بين التنظيم والأجهزة الأمنية العراقية التي ما زالت ضعيفة وعاجزة عن الإمساك بالأرض رغم كل الدعم الدولي للحكومة العراقية الجديدة.
وردّ المصدر الديبلوماسي نفسه، أسباب تقدّم «داعش» إلى العراقيل المرتبطة بأي تدخّل برّي دولي أو غير دولي في الأراضي السورية والعراقية، واكتفاء التحالف الدولي بالحرب الجوية فقط، أو على الأقلّ في المرحلة الأولى منها. لكنه لاحظ أن إحجام هذه الدول أو حلفائها الإقليميين في المنطقة وأبرزهم السعودية وتركيا، تفرضه مصالح كل دولة الخاصة الآنية والبعيدة المدى، وذلك انطلاقاً من خريطة المواقع التي بدأت ترتسم ملامحها شيئاً فشيئاً على الحدود التركية ـ السورية من جهة، والعراقية ـ الإيرانية من جهة أخرى، إضافة إلى التطلّعات السعودية إلى الواقع السوري الذي ما زال يفرضه الرئيس نظام بشّار الأسد من خلال سياسة القضم التي يتّبعها للمناطق التي تتراجع فيها سيطرة المسلّحين المعارضين له.
فالاتفاق الذي قامت عليه التحالفات الغربية مع القوى الإقليمية الفاعلة في المنطقة، ليس صلباً على حدّ قول المصدر الديبلوماسي الغربي الذي كشف أن التناقضات متعدّدة بين الحلفاء الغربيين والإقليميين، وهي ظهرت للعلن في أكثر من محطة خلال الأسابيع الماضية، كما أنها مرشّحة للتفاقم لتنعكس بشكل سلبي على قوة النظام السوري ونفوذ تنظيم «داعش» أي بكلمة واحدة قد تؤدي للإبقاء على هذا النظام، ولا تقضي بالكامل على «داعش». لكنه استدرك موضحاً أن أي تغيير مرتقب في الأجندة الأميركية ربما يحول دون فشل الحرب الدولية، وذلك في حال قرّر الرئيس الأميركي باراك أوباما حسم أمره من مسألة الإنفتاح على إيران وأوقف الحوار غير المباشر مع طهران، وبالتالي، انتقل إلى المرحلة الثانية من الحرب والتي ستجري تحت عنوان إسقاط النظام السوري. وأضاف أن الرياض شاركت بالغارات الجوية على مواقع «داعش» في العراق إنطلاقاً من موقفها المبدئي الرافض للإرهاب، لكنها لا ترى أي فوائد جراء القضاء على هذا التنظيم وتعزيز النفوذ الإيراني في المنطقة، والحفاظ على النظام السوري قوياً، وتالياً الإبقاء على الوجود الإيراني في اليمن والعراق وسوريا ولبنان.
أما بالنسبة للحليف التركي «المتردّد» كما وصفه المصدر الديبلوماسي الغربي، فإن العنوان الكردي هو الأولوية في الروزنامة التركية التي تركّز على إسقاط نظام بشّار الأسد، والحدّ من الإنتشار المسلّح لـ«حزب العمال الكردستاني» بعدما تحالف الطرفان ضد تركيا في منطقة روجافا الكردستانية ـ السورية ووجّها ضربة قوية ضد الإستقرار الداخلي التركي برزت مؤشّراتها في التحرّكات الشعبية الكردية ضد حكومة أنقرة تحت عنوان الضغط على هذه الحكومة للتدخّل لحماية كوباني من إرهاب «داعش».
وعلى الرغم من انفصال الملفين التركي ـ الكردي عن الحرب الدولية على «داعش»، فإن الأتراك يعتبرون صراعهم مع الأكراد مسألة وجودية وحيوية بالنسبة إليهم يقول المصدر الديبلوماسي، ولذلك لن يقبلوا بأن تكون هزيمة «داعش» إنتصاراً يصبّ في مصلحة أعدائهم التاريخيين وهم حزب العمال الكردستاني، وعند هذه النقطة وهي إسقاط نظام بشّار الأسد تتوقّف المشاركة التركية في الحرب على «داعش»، وهي ما زالت معلّقة، بدلالة رفض أنقرة فتح أبواب القاعدة العسكرية «إنجرليك» لطائرات التحالف الغربي والعربي التي تقصف مواقع «داعش» قرب «كوباني». ومقابل جمع تركيا بين الهدفين، وهما إسقاط النظام السوري والقضاء على «داعش»، تبدو المملكة العربية السعودية قريبة جداً من أنقرة بعد مرحلة من التأزّم الديبلوماسي بسبب أزمة مصر، لكن هذا الواقع يبعد الطرفين عن الأهداف الأميركية من الحرب الدولية على الإرهاب، والتي لا تزال متوقّفة عند تضارب الرؤية من إيران وسلاحها النووي، مما قد يهدّد بانفراط عقد هذا التحالف في حال لم تتمكن أطرافه من تحقيق تسوية تنقذ الوضع الراهن، وتأخذ في الإعتبار التطلّعات التركية والسعودية من خلال إعطاء واشنطن ضوءاً أخضر لتركيا لتدريب عناصر سورية معتدلة، وذلك كمقدمة قبل الوصول إلى إرساء مشروع يقوم على إسقاط الرئيس السوري والإبقاء على النظام، وهو الأمر الذي قد يرضي، ولو بالحد الأدنى، الأتراك والسعوديين ويغضب، وربما بالحد الأدنى أيضاً، إيران.
مقتل قياديين اثنين من “داعش” في غارة أميركية شمالي سوريا
أعلنت القيادة المركزية الأميركية، مقتل قياديين اثنين ينتميان لتنظيم "داعش" في غارة جوية، في القامشلي شمالي سوريا. وقال بيانٌ للقيادة...