قد لا ترى في حياتك أجمل من الفرحة التي ترتسم على وجوه اللبنانيين في بلاد الإنتشار، وتشعر أنّها تُسرّع نبضات قلوبهم، وتجعل الدموع تغرورق في عيونهم، إلاّ خلال لقائهم كلّ عشرات السنوات بمسؤول لبناني يزورهم مرة واحدة في بلدهم الثاني (الذي بات الأول) في إحدى دول أميركا اللاتينية حيث «نهاية العالم»، كما يُقال.
فقد زارهم وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل الذي اظهر خلال جولته الرسمية السياسية والإقتصادية والتفقدية التي يتابعها على بعض دول أميركا اللاتينية، مثل بوانيس إيريس في الأرجنتين، مونتي فيديو في الأورغواي، وسانتياغو في تشيلي…، مدى اهتمامه باللبنانيين المغتربين وبدعمهم لاسترداد حقوقهم المهدورة ؟ّ!
يقول مصدر ديبلوماسي إنّه يصعب إحصاء عدد اللبنانيين المنتشرين إن في أميركا اللاتينية أو في دول العالم ككلّ، خصوصاً أنّ السفارات والبعثات الموجودة في بلاد الإغتراب لا تملك سوى أوراق المسجّلين لديها، في حين أنّ عدداً كبيراً من المغتربين الذين اندمجوا مع شعوب الدول التي هاجروا اليها لم يعودوا مهتمّين باللجوء الى السفارة اللبنانبة لأي سبب من الأسباب.
في بوينس إيريس، يُعتبر وجود الجالية اللبنانية في عاصمة الأرجنتين قديم جداً يعود الى القرن التاسع عشر ويشمل الطوائف كافة. أمّا عدد أبناء هذه الجالية المسجّلين في السفارة، على ما أكّد القنصل جورج الجلاد من طاقم السفارة، فيبلغ 50 ألفاً، وهؤلاء حائزون على الجنسية اللبنانية، فضلاً عن أنّ المتحدّرين من أصل لبناني يصل الى نحو 500 ألف. وتقول المعلومات المتداولة بين أبناء الجالية أنّ عدد اللبنانيين في الأرجنتين يصل الى حدود 900 ألف الى مليون شخص من أصل لبناني، غير أنّ هذا الرقم لا يُمكن إثباته.
ولكن يمكن اعتبار الجالية اللبنانية- السورية ثالث أكبر جالية في الأرجنتين بعد الإسبانية والإيطالية. وتُسمّى بالجالية اللبنانية- السورية لأنّ الهجرة الى الأرجنتين حصلت قبل تكوّن الدولتين، حتى أنّهم كانوا يُسمّون بـ «توركوس» (أي الأتراك) بسبب قدومهم الى الأرجنتين بجوازات سفر تركية، أمّا اليوم فقد أُلغيت هذه التسمية الأخيرة.
عائلات عدّة هاجرت الى الأرجنتين أبرزها شمّاس (من الطائفة الأرثوذكسية)، خوري، زوين، مراد، طربيه، منصور وسواها. وقد وصل اللبنانيون الى هنا حيث عملوا في مجالات عمل متواضعة، غير أنّهم تمكّنوا عبر السنوات من تطوير أنفسهم فاحتلّوا مراكز مهمّة في السياسة والاقتصاد والطبّ وغير ذلك، حتى أنّ وزير الصحة في الأرجنتين خوان منصور متحدّر من أصل لبناني، وهو يُشكّل نموذجاً حيّاً عن شاب لبناني هاجر الى الأرجنتين فارغ اليدين، فأصبح اليوم وزيراً للصحة فيها، فضلاً عن نائب وزير الخارجية المتحدّر أيضاً من أصل لبناني إدواردو زوين، وهما لا يزالان متحمسّين للبنانيتهما.
ومن مواصفات الجالية اللبنانية في بوينس أيريس، يضيف الجلاد، أنّ أبناءها لا يتكلّمون اللغة العربية، فهم أرجنتينيون من أصل لبناني، فقد اندمجوا في المجتمع الأرجنتيني والمجتمع يتقبّلهم ويقدّر كفاءاتهم وقدراتهم، ولهذا يصلون اليوم الى مناصب مهمة في البلاد. أمّا السبب الكامن وراء فقدانهم للغتهم الأم، فهو يعود الى أنّهم عندما هاجروا الى الأرجنتين كانوا يشعرون بأنّه يتمّ التمييز فيما بينهم وبين مواطني البلد الأصليين، لهذا تعلّموا الإسبانية واكتفوا بالتحدّث بها، ففقدوا بذلك اللغة العربية التي استغنوا عنها رويداً رويداً لأنّها لم تعد تفيدهم في شيء. لكن يبقى القليل من الجيل الأكبر سنّاً حالياً متمسّكاً بهذه اللغة التي أتقنها من قبل أحد أجداده.
واللبنانيون في الأرجنتين الذين يتألّفون اليوم من ثلاثة الى أربعة أجيال، لا يزالون يفتخرون بلبنانيتهم، رغم عدم إتقانهم للغة العربية، غير أنّهم يعانون من بعض الإنقسامات لا سيما على صعيد الجمعيات اللبنانية والجامعة اللبنانية الثقافية، وهم كذلك غير موحّدين وغير منظّمين ما يُضعف من قدراتهم، كما لا نجد أنّ لديهم الحماسة للإقتراع أو ممارسة هذا الحقّ، فضلاً عن أنّ هناك عدداً منهم من الشخصيات النافذة لا تهتمّ بأصولها اللبنانية، ما يتطلّب الكثير من الجهد من قبل الدولة والخارجية والسفارة لحلّ بعض هذه المشاكل.
وتكمن مشكلة الجالية اللبنانية، على ما أوضح مطران الموارنة حبيب شامية لـ «الديار» أنّها قديمة، ولأنّها قديمة اندمج الناس بسكّان البلد الى حدّ الذوبان أحياناً، ونسوا وطن جدودهم وانتماءهم لكنيستهم المارونية. ولكن كان للجمعيات والنوادي وبعض المؤسسات والكهنة المرسلين من جمعية الرسل، وهم أول من وصل الى الأرجنتين في العام 1901، دور رئيسي بخلق مطرانية في الأرجنتين للموارنة عام 1990، وبالمحافظة على التراث والتقاليد اللبنانية وعدم الذوبان والزوال.
وأشار شامية الى أنّه في العام 2001 تمّ تدشين الكاتدرائية الضخمة التي شيّدت في بوينس ايريس على إسم القديس مارون، شفيع الطائفة المارونية، والتابعة لجمعية الرسل اللبنانية، والتي تمّ نقل حجارتها من لبنان حجرة حجرة وقد نفّذ بناءها عمّال من جبل لبنان. وطالب الوزير باسيل الإسراع في معاملات إعطاء الجنسية للبنانيين المغتربين، وفتح المجال لهم للإنتخاب، وحقّ الأمّ بإعطاء الجنسية لأولادها، وخلق علاقات مع الدولة الأرجنتينية تُسهّل على الأرجنتينيين التواصل مع أهلهم في الوطن الأمّ.
ويقول أحد ابناء الجالية المتحمّسين للبنانيتهم أنّهم يحتاجون الى زيارات مماثلة كتلك التي يقوم بها الوزير باسيل اليوم، فمنذ الزيارة الأخيرة لرئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان (في العام 2012)، لم يزرهم أحد، وأنّهم لا يطمعون بزيارات مكثّفة كونهم يعلمون مشقّات السفر والساعات الطويلة التي يتطلّبها الوصول الى القارة الفضية، كما تُسمّى، لكنهم يكتفون بما تقوله فيروز في أغنيتها «زوروني كلّ سنة مرة حرام تنسوني بالمرّة».
تعميم المركزي يخفض سعر صرف الدولار؟
بعد أن اصدر مصرف لبنان تعميماً جديداً يلزم المصارف بالحصول على موافقة مسبقة منه قبل فتح اعتمادات او دفع فواتير...