لم اتفاجأ بحصول الحادث المؤلم الذي وقع في جرود رأس بعلبك قبل ثلاثة أيام، ولا استبعد ان يتكرر ذلك في الاسابيع او الاشهر المقبلة، وذلك من خلال قراءتي لطبيعة الحرب الجارية على طول الحدود الشمالية ـ الشرقية مع سوريا، ولطبيعة الجغرافيا الجبلية والوعرة في هذه المنطقة، بالاضافة الى عدم وجود خطوط تماس معتلمة بين خطوط انتشار الجيش اللبناني ومناطق انتشار التنظيمات السورية المسلحة في جبال القلمون، وامتداداً الى بلدة القاع في البقاع الشمالي. يشكل هذا الحادث خسارة اضافية للخسائر التي يتكبدها الجيش اللبناني جراء الحرب على الارهاب التي يخوضها في الداخل وعلى طول الحدود مع سوريا، وهي حرب طويلة ومعقدة، وهي مستمرة بفعل استمرار وتداعيات الحرب في سوريا منذ عام 2011.
بذل الجيش اللبناني، وخصوصاً مديرية المخابرات وبمعاونة الاجهزة الامنية الاخرى جهوداً مكثفة من اجل احتواء العمليات الارهابية التي كانت تشن في الداخل، وبالفعل فقد نجحت قوات الجيش في السيطرة على البؤر الامنية في صيدا وطرابلس ومناطق اخرى، فيما استكملت الاجهزة الامنية العمل على تفكيك الخلايا الارهابية النائمة، وتوقيف عدد كبير من الارهابيين سواء كانوا لبنانيين او فلسطينيين او لاجئين سوريين. انه انجاز كبير نسجله للجيش وللاجهزة الامنية، وان نتائجه لا تقتصر على تفكيك الخلايا الارهابية بل توسعت في مفاعيلها الامنية والاجتماعية، حيث اعادت الاستقرار الى مدن ومناطق عديدة، بالاضافة الى تحصين الوضع الاجتماعي، وبالتالي منع تحويل بعض المناطق الى بيئة حاضنة للارهاب، والحؤول دون تغلغل «داعش» والنصرة في الداخل اللبناني.
في العودة الى «الكمين» الذي وقعت فيه دورية الاستطلاع التابعة لفوج الحدود الثاني في جرد رأس بعلبك، فانه من الطبيعي ان ترسل وحدات الجيش المنتشرة في منطقة عرسال ـ رأس بعلبك دوريات استطلاع واقامة مراكز امامية لها اثناء الليل، من اجل حماية مواقعها واكتشاف اية عمليات تسلل تقوم بها الميليشيات الموجودة في المناطق الجبلية، والتي اظهرت تكراراً عن نواياها العدوانية ضد الجيش، والمناطق اللبنانية الآهلة على حد سواء، وقد ظهر ذلك جلياً من خلال الهجمات المتكررة التي تشنها ضد القرى والبلدات الحدودية الممتدة من البقاع الشمالي الى البقاع الاوسط.
اذا كانت قيادات التنظيمات المسلحة العاملة في جبال القلمون قد ربطت اعتداءاتها المتكررة على القرى الحدودية وعملياتها الارهابية في الهرمل والضاحية الجنوبية وبيروت في عام 2013 والنصف الاول من عام 2014 بتدخل حزب الله في النزاع داخل سوريا، فان هجومها المباغت والواسع على مواقع الجيش واحتلالها الكامل لبلدة عرسال قد اثبت بان لديها مخططاً يتعدى حاجة الثأر من حزب الله او القرى الشيعية الحاضنة له، وبان الهدف البعيد وفق ما اثبتته التحقيقات مع احمد جمعه، وغيره من الموقوفين يتعدى مسألة الابقاء على الممرات التي تربط القلمون مع عرسال مفتوحة ودون اية مراقبة أمنية. كانت عملية الهجوم على عرسال في شهر آب 2014 هي نقطة البداية لاقامة «رأس جسر» في البقاع الشمالي في مرحلة اولى ومن ثم السيطرة من خلال العناصر المتسللة وبمساعدة الخلايا النائمة من اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين على مناطق واسعة في عكار امتداداً الى طرابلس، ووصل البقاع بالشمال تمهيداً لاقامة امارة اسلامية في لبنان. هذه المعلومات قد اثبتت صحتها في التحقيقات التي اجرتها الاجهزة الامنية، والتي تحدث عنها اكثر من مسؤول لبناني، عسكري ومدني.
تنبهت القيادة العسكرية والاجهزة الامنية بعد عملية عرسال بأن الاخطار الارهابية لم يبددها تصدي الجيش بقوة للمسلحين في عرسال واجبارهم على الانسحاب باتجاه الحدود مع سوريا، وبانه بات من الضروري لاستئصال الخلايا والبؤر المنتشرة في الداخل اللبناني. وبالفعل فقد نجحت وحدات الجيش في السيطرة على البؤر المسلحة في طرابلس ومنطقة بحنين وفي بعض المناطق البقاعية، كما فككت العديد من الخلايا الارهابية المنتشرة في مخيمات اللاجئين السوريين، وفي احياء صيدا القديمة لكن لا بد من الاعتراف بان بعض الخلايا الارهابية وبعض قادة المجموعات اللبنانية المسلحة المؤازرة لـ«داعش» و«النصرة» قد نجحت في التسلل وفي ايجاد ملجأ آمن لها داخل مخيم عين الحلوة تحاول بعض القيادات الفلسطينية التبرؤ من هذه المسؤولية، من خلال تصريحات تدلي بها هنا وهناك، مؤكدة عدم دخول مطلوبين لبنانيين وسوريين الى المخيم، وترد عليها السلطات اللبنانية مؤكدة وجود هؤلاء داخل احياء المخيم.
كنت قد اشرت وطالبت في دراسة وضعتها ووزعتها على عدد كبير من المسؤولين السياسيين والامنيين حول موضوع الارهاب في لبنان، وقدرة السلطة اللبنانية على مواجته بضرورة معالجة وضع مخيم عين الحلوة، والذي تحوّل بالفعل الى قاعدة وملاذ آمن للارهابيين.
يشكل المخيّم القاعدة الفعلية لكتائب عبدالله عزام، والتي تضم ما يقارب مائة وعشرون عضو، والتي باتت تنتسب لجبهة النصرة، كما انه قد جلأ اليه عدد من الارهابيين والمطلوبين، ومن بينهم احمد الاسير وشادي المولوي وبعض اتباعهما وفق ما ذكرته المصادر الامنية تكراراً.
في العودة مجدداً الى «الكمين» في جرد رأس بعلبك، فان الخسائر البشرية التي تكبدها الجيش تدعو الى التفكير ملياً في ضرورة بذل كل الجهود ووضع الخطط اللازمة للحؤول دون تحوّل مثل هذه العمليات عبر الحدود الى حرب استنزاف للجيش ولمعنويات العسكريين. ولا بدّ في هذا السياق من دعوة الحكومة الى تسريع كل الاجراءات والمفاوضات الجارية من اجل تحرير «الاسرى» العسكريين الموجودين لدى النصرة وداعش، وبالتالي وقف عمليات الابتزاز الجارية على الدولة وعلى اهالي هؤلاء العسكريين على حد سواء.
وتبرز الضرورة ان تدرس القيادات الميدنية المنتشرة على طول الحدود مع سوريا ما جرى في جرد رأس بعلبك، كخطوة ضرورية من اجل زيادة مستوى الحيطة والحذر في المراكز الامامية وفي انتقال وتنفيذ الدوريات والكمائن من قبلها. في رأينا سيكون من الحكمة ان تتشكل لجنة خبراء من الضباط من اجل تقييم كل المخاطر والتهديدات التي تواجه القوى المنتشرة على الحدود الشرقية والشمالية، وذلك تمهيداً لوضع تعليمات وسيناريوهات لمواجهتها، مع ضرورة اعتماد نظام صارم لأمن العمليات على كل المستويات.
في السياق عينه، تبرز اولوية ان تستكمل القوى العسكرية والامنية لمهامها في ملاحقة جميع العناصر العاملة في لبنان لصالح المنظمات المسلحة كداعش والنصرة، مع التركيز على التعرف وتوقيف كل افراد عائلاتهم الموجودين في لبنان او الداخلين عليه عبر البوابات الحدودية، وذلك كخطوة على طريق بناء «كنز ثمين» يمكن استعماله لمقايضة الاسرى العسكريين او كوسيلة ضغط لضبط اعتداءاتهم عبر الحدود، وخصوصاً ضد الدوريات والمواقع العسكرية الامامية.
تدعو خطوة المواجهة، وتعقيداتها ان تبذل القيادات العسكرية والأمنية جهودها من اجل توظيف واستثمار كل ما هو ممكن من اجل فرض نظام ضابط للانتهاكات اليومية للحدود اللبنانية، ومن اجل منع «داعش» و«النصرة» من اقامة قواعد وبنى ارهابية لها في لبنان، بما في ذلك في مخيم عين الحلوة.
في الاستنتاج العام، ان ما حدث في رأس بعلبك، وبالرغم من فداحة الخسائر بالارواح، لا يشكل معضلة امنية للجيش، حيث انه يمكن ان يتكرر في المستقبل وذلك بسبب طبيعة الارض والظروف المناخية في فصل الشتاء، بالاضافة الى مساحة بقعة العمليات وعدم وجود خطوط تماس واضحة. وهنا تبرز اهمية استعمال كل الوسائل التي يملكها الجيش من اجل رصد المناطق الوعرة والوديان التي تسمح بعمليات تسلل باتجاه مناطق تمركز او عمل الوحدات مع امكانية اقامة منشآت تؤمن الرصد الالكتروني والانذار المسبق في بعض الممرات الاجبارية.
تعميم المركزي يخفض سعر صرف الدولار؟
بعد أن اصدر مصرف لبنان تعميماً جديداً يلزم المصارف بالحصول على موافقة مسبقة منه قبل فتح اعتمادات او دفع فواتير...