تتقن اسرائيل منذ نشوئها الى اليوم مهارة اللعب على العصبية الدينية لدى العرب لتغطية جرائمها العنصرية والالغائية من طرد للفلسطينيين وتهويد مدنهم بشتى الوسائل.
فهي تمرر مخططاتها في فلسطين والشرق عبر إلهاء العرب بمسائلهم الطائفية والمذهبية. وقد نجحت المجموعة الصهيونية في اشعال المشرق والهاء دوله بصراعات داخلية، كما سجلت نجاحاً من خلال استفزاز الفلسطينيين واظهارهم وكأنهم شعب يتحرك انطلاقاً من العصبية الدينية وليس من دافع قومي للحفاظ على تاريخه وثقافته.
وقد ساعدت الأحداث الاخيرة في تظهير هذه الصورة، عندما أعلنت اسرائيل مؤخراً عن نيتها تسريع انشاء ما يزيد عن الف وحدة سكنية في الشق الشرقي من مدينة القدس،حيث جوبه هذا الاعلان باجراءات اصبحت روتينية من خطابات استنكار واستهجان واعتراض من قبل السلطة الفلسطينية يليه تقديم شكاوى للمؤسسات الدولية. وبالتوازي مع الاعلان الاول اقدمت حكومة اسرائيل على اقفال المسجد الاقصى ليوم واحد وتحديد ساعات الدخول في الايام التالية.
كانت ردة الفعل الفلسطينية عنيفة على إقفال الأقصى لما يمثل من اهمية دينية وتاريخية لدى المسلمين، فالمسجد الاقصى يعتبر اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين (اي الثالث من حيث الأهمية بعد مسجدي مكة المكرمة والمدينة المنورة).
لا شك ان ما قامت به حكومة اسرائيل هو عمل مدان ولا يحترم الحقوق البنيوية للطوائف من ممارسة معتقداتها من صلاة وغيرها.. الا اننا حين نقارن ردة الفعل هذه مع ما حصل إبان اعلان اسرائيل نيتها تسريع بناء ألف وحدة سكنية في القدس الشرقية، نرى أن الاعتراض الفلسطيني لم يتجاوز حدود البروتوكول البيروقراطي كما ذكرنا آنفاً. مما يدفعنا الى الاستنتاج من هذه المقارنة المبسطة، هو طغيان العصبية الدينية على العصبية الوطنية والقومية. فالشعب ينتفض ان اقفل مسجد ولا يثور بوجه محاولة تهويد القدس بشقيها، وكلامنا هذا لا يتضمن اي تخفيف من شأن الاقصى لدى المسلمين ولا من نضالات الشعب الفلسطيني وما عاناه. انما نرى ان العصبية الدينية لدى الفلسطينيين اصبحت طاغية على العصبية القومية على عكس ما كانت في العقود الماضية.
والحالة هذه لا تنضوي على الفلسطينيين فقط، بل انتشرت في جميع انحاء مشرقنا العربي. ففي لبنان احرقت شوارع ودمرت مبان في بيروت بسبب رسم مشين لرسام دنمركي بحق النبي محمد، بينما لا صوت يعلو حين يذبح الآلاف في سوريا والعراق.
يشرد شعب بأكمله في العراق ولا احد يرفع الصوت عاليا، لا احد يتظاهر لا في بيروت ولا في عمان ولا في بغداد. لا بل هنالك من شارك في ذبحهم مع «داعش».
يقتل المئات من عشيرة بو نمر المناهضة للقاعدة ووريثتها «داعش» ولا احد يحرك ساكناً.
اما عندما يتعلق الامر بالغريزة الدينية والعصبية المذهبية والطائفية تهب القطعان لمناصرة الحجر، وما نفع الحجر ان رحل البشر؟
اسئلة كثيرة تجول في البال، وتساؤلات اليمة عن حقيقة الوعي القومي والوطني لشعوبنا في هذا المشرق. نسأل، هل اصبح المشرق مؤلفاً من مجموعة طوائف لا تحركها سوى الغرائز الدينية؟ اين الشعور الإنساني؟ اين الوعي القومي؟ أين العصبية للأرض والتاريخ والثقافة؟أين ضمير الانسان الذي يوقظه ليدافع عن اخيه الانسان؟ أسئلة اجوبتها حزينة ومريرة بعد ان اصبحنا ملل تعيش على بقعة من الارض، تتناسى عن وعي وغير وعي تاريخها المجيد في بناء المدنية والحضارات.
لا شك ان المشهد قاتم لمن يتابع مجريات الاحداث في الشرق فالمخططات كبيرة والمؤامرات كثيرة، وهي تحاك من الداخل والخارج الا انه ليس من نفق وليس له نهاية، ولا من ليل لا يتبعه بزوغ الفجر.
يبقى الأمل بالاحزاب العلمانية وبهيئات المجتمع المدني وبالشباب العلماني المندفع قومياً وليس دينياً للدفاع عن مصلحة بلاده ومجتمعه والمتيقن للاخطار الكبيرة التي تحدق به.
لماذا يهدّد الروس العالم بالسّلاح النووي؟
كان الخطاب الذي أطلقه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال الاحتفال بضمّ الأقاليم الأربعة إلى روسيا بمنزلة استكمال للخطاب السابق الذي...