من يقنع العرب والايرانيين والاتراك وحتى الاسرائيليين بان الله يقف على الحياد؟
هذه الحرب التي بين الرياض وطهران التي تبدو كما لو انها حرب المائة عام او ربما حرب الالف عام، الا تبدو وكأنها تمر عبر العالم الآخر؟ لاحظ ذلك اوبير فيدرين منذ سنوات، وهو اذ حذر من ان يتحول الشرق الاوسط الى «مهرجان للبرابرة» في ظل التعبئة الايديولوجية والدموية، تحدث عن ذلك الصراع الذي لا يتقيأ سوى الجثث. حتماً لا يتقيأ اللآلئ.
هو الذي لاحظ انه لا داعي للدعوة الى تحييد الله لان ثمة طرازاً آخر من الالهة يلعب وسط هذه الحلبة التي تحتاج الى «لحظة العقل الكبرى»، فلا السعودية يمكن ان تزول (او تزال) ولا ايران يمكن ان تزول او(تزال). اذاً، لماذا تتحول سوريا ويتحول معها العراق والبحرين، وبالتالي لبنان، الى مسرح لا يظهر فيه سوى لاعب واحد ويدعى المجهول.
ثمة حديث في الاروقة الديبلوماسية حول تطور ما يمكن ان يحدث في العلاقات السعودية – الايرانية، على ان يبدأ التواصل عبر زيارة يقوم بها نائب وزير الخارجية الايراني للرياض. بعد وقت يأتي دور وزير الخارجية لتتوج، اخيراً، بزيارة يقوم بها الرئيس حسن روحاني والتي يمكن ان تحدث تغييراً دراماتيكياً في المشهد الاقليمي برمته.
هذا الحديث يردده مرجع لبناني كبير امام مقربين قلائل مستنداً الى «معلومات موثوقة»، وبعدما تأكد لاكثر من جهة عربية ان حل « عقدة آراك» بين واشنطن وطهران فتح الباب على مصرعيه امام «اتفاق تاريخي» خلال هذا الصيف ما يعني ان تعديلاً مثيراً سيحصل في العلاقات الدولية والاقليمية، ودون ان يكون صحيحاً ما تردده بعض الاوساط الديبلوماسية من ان هناك ضغوطاً تمارس على باراك اوباما لكي يطلب من الايرانيين في الساعة الاخيرة رفع الغطاء عن «حزب الله» او وقف المساعدات عنه.
قيادات لبنانية تشيع مثل هذا الكلام، وتقول انه مثلما فرضت ظروف معينة على دمشق تفكيك الترسانة الكيميائية لا بد من ظروف مماثلة، بصورة او بأخرى من اجل حمل ايران على تفكيك ترسانة «حزب الله».
مصادر ايرانية تؤكد ان هذه المسألة غير واردة بأي حال، فيما يقول ديبلوماسي بريطاني في دولة خليجية انه بغض النظر عن «السياسات الثأرية» حيال نظام الرئيس بشار الاسد، فان هناك في واشنطن من لا يرى تقويض هذا النظام لان المعارضة المشتتة غير مؤهلة قطعاً لتشكيل سلطة بديلة لا بل ان مساعداً لمستشارة الامن القومي في الولايات المتحدة سوزان رايس, وبحسب ما اكده الديبلوماسي اياه، تعتبر ان تواجد «حزب الله» في سوريا اذ ابعده عن المواجهة المباشرة مع اسرائيل، فهو احدث حالة من التوازن كان لا بد منها.
يضيف ان جهات اميركية فاعلة وبعيدة عن التأثر بنظريات بنيامين نتنياهو، وايضاً بعيدة عن بهلوانيات رجب طيب اردوغان، وعن الاخذ با لصيحات البدائية في المنطقة، تعتبر ان الدور الذي اضطلع به «حزب الله» في الميدان حال دون تمدد جبهة النصرة وتنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام اضافة الى جماعات راديكالية اخرى ان في العمق السوري او في العمق اللبناني.
استطرداً، من الذي يهدد النظام العربي، مع ان هذا التعبير مجازي جداً: التيارات الاصولية التي تستفيد من الصراع السعودي – الايراني ام النظام السوري الذي بات يدرك انه لا مجال للخروج من الازمة الا باعادة هيكلية السلطة، وعلى اساس انخراط قوى معارضة رفضت الارتهان للاستراتيجيات البلهاء في اعادة بناء الدولة في سوريا.
هذا مع ادراك اكثر من جهة اقليمية او دولية بأن اي محاولة تدفع باتجاهها قوى معينة من اجل ارساء معادلة سوريا مقابل اوكرانيا هي محاولة تفتقد الحد الادنى من المنطق، فليس الروس وحدهم الذين يقولون ان اي لعبة من هذا القبيل يمكن ان تفضي الى تفجير الشرق الاوسط برمته.
ولا مجال هنا للاستخفاف بالمفاعيل الاستراتيجية للاتفاق المرتقب بين واشنطن وطهران والذي يصفه ريشارد هاس بأنه شديد الحساسية بالنسبةالى ادارة اوباما التي اذ تستعد للخروج من افغانستان فهي تخشى، وفي حال غياب الضوابط الاقليمية، ان تؤدي القنبلة الافغانية الى تهديد المصالح الاميركية ليس فقط في باكستان وصولاً الى العمق الآسيوي وانما ايضاً في الشرق الاوسط الذي يزداد هشاشة يوم بعد يوم.
مرة اخرى، وبعيداً عن الضوء، كان هناك دور اميركي مؤثر في حصول تفاهم وصف بالحساس جداً بين طهران واسلام آبادللحيلولة دون انهيار الوضع في افغانستان، ومع اعتبار ان ايران دولة شديدة التماسك فيما باكستان التي تنتشر فيها الجيوب التابعة لـ«طالبان» او لتنظيم القاعدة لا بد ان تتعرض لاهتزازات ولتصدعات خطيرة اذا تمكنت حركة «طالبان» من الاستيلاء ثانية على السلطة في كابول.
اكثر من ان تكون مشكلة النظام في سوريا. يفغيني بريماكوف ينصح، وهو على سريره في احد مستشفيات موسكو، بأن لا يتورط العرب في الرهان على ما يسميه بعض الاوروبيين بـ«المأزق الروسي» في اوكرانيا لان فلاديمير بوتين لا يفصل البتة بين كييف ودمشق على مستوى الحساسية الجيوستراتيجية القصوى.
في رأيه هو ايضاً ان الحرائق لا يمكن ان تبقى حيثما هي الآن اذاما استمرت حرب المائة عام بين السعودية وايران، قبل ان يسأل «لمصلحة من تحويل الشرق الاوسط الى غابة من رماد؟
دعوة بريماكوف قبل ان يطبق اجفانه: اقلبوا سريعاً هذه الصفحة…
الديار