رأى الخبير الدستوري النائب السابق د.صلاح حنين ان التفاوض بين دول وعصابات
ارهابية لا يمت الى القوانين بصلة، انما هو مبدأ سياسي قابل للنقاش، فإما ان تعتمده
الدول واما ان ترفض اعتماده تبعا لفلسفتها ومقاربتها حيثيات القضية موضوع المفاوضة،
وفي كلا الخيارين حق للدولة حكومة ومؤسسات دستورية وعسكرية في أن تختار ما يتناسب
ومصالحها، مشيرا على سبيل المثال اللبناني، الى ان في لبنان مؤسسة عسكرية مسؤولة عن
جنودها، وعلى قياداتها طمأنة العسكريين الاسرى بأنهم كما قاتلوا للدفاع عن الوطن
فالمؤسسة ستقاتل لابقائهم أحياء في الاسر وعودتهم سالمين الى اهاليهم وعوائلهم، اي
ان على مؤسسة الجيش ان تبعث برسالتين اساسيتين وتوفق بينهما، الاولى معنوية تتعلق
بهيبة الجيش وسيادة الدولة، والثانية عاطفية تحاكي قلق الاهالي وخوفهم على مصير
ابنائهم، لافتا من جهة ثانية الى انه في الوقت عينه لا يجوز للمؤسسة العسكرية ان
تعطي انطباعا للارهابيين بأن مسألة المقايضة مع سجناء موقوفين من قبل القضاء بملفات
امنية هي في غاية السهولة بما يمس سيادة الدولة وكرامتها.
ولفت حنين، الى ان ملف العسكريين الاسرى شائك ومعقد، والتعاطي به يتطلب
حكمة كبيرة وقدرات هائلة لايصاله الى خواتيم سعيدة، خصوصا ان التفاوض هو اختصاص
علمي قائم بحد ذاته لا قدرة لأي كان غير متخصص به ومدرب عليه ان يحصد النتائج
المرجوة منه، لذلك يعتبر ان دخول وجهاء بلدة عرسال وهيئة العلماء المسلمين وغيرهم
من الوسطاء على خط المفاوضات لن يأتي بالثمار المطلوبة، ليس لأنهم غير جيدين او
جديين، لا سمح الله، انما لكونهم غير مدربين علميا وعمليا على كيفية انتزاع المطالب
وتقديم ما يجب في المقابل تقديمه ضمن الحدود التي تحفظ هيبة الدولة وتصون كرامتها
وتحمي حقوقها، مشيرا بالتالي الى ان على الدولة اللبنانية ان تحسم امرها وتعتمد
مفاوضين اصحاب اختصاص وقدرة على مقاربة ملف العسكريين الاسرى بحنكة ودهاء، خصوصا في
ظل الغليان الشعبي الذي يشهده الشارع اللبناني من البقاع الى بيروت والشمال.
اما لجهة اتصال القانون بخيار مقايضة السجناء الاسلاميين بالعسكريين بالاسرى
فيما لو اعتمدته الدولة اللبنانية، لفت حنين الى وجود حالتين من الموقوفين
الاسلاميين، الاولى تتمثل بمن هو محكوم منهم وينتظر انتهاء مدة محكوميته، والثانية
تتمثل بغير المحكوم منهم وتجاوز فترة العقوبة العادلة المتوقعة له، وهي حالة غير
طبيعية تشكل ثغرة في القانون اللبناني وتمس ولو بتواضع بسيادة الدولة، لأن السيادة
لا تكمن فقط في حماية الحدود واحترام النظام والامن، انما ايضا بتقديم الدولة ما
عليها من واجبات تجاه الآخر سواء كان لبنانيا او عربيا او غربيا، اي بأن يصدر
قضاؤها حكمه على المرتكبين وعدم تركهم لسنين دون محاكمة، مشيرا في المقابل الى ان
التفاوض على محكوم لم ينه بعد مدة عقوبته او حتى المقايضة به هو ايضا يمس بسيادة
الدولة كونه يكسر الحكم القضائي ويتعالى على القوانين المرعية الاجراء.
في سياق متصل، يشرح حنين آلية اطلاق سراح سجين محكوم لم ينه بعد محكوميته، فيؤكد
ان هناك وسيلتين لا ثالث لها، اما بواسطة عفو خاص يصدر عن رئيس الجمهورية بموجب
مرسوم جمهوري يوقف تنفيذ العقوبة انما لا يلغي الجريمة عن السجل العدلي، وهو عفو عن
سجين واحد فقط، حتى ما اذا اراد رئيس الجمهورية اعفاء 20 سجينا ولو في قضية واحدة
عليه اصدار 20 مرسوما منفصلة عن بعضها بعضا، واما بواسطة عفو عام يصدر عن مجلس
النواب بموجب قانون يلغي العقوبة ويلغي الجريمة عن السجل العدلي، وهو عفو عن مجموعة
سجناء سواء أكانوا منفصلين ام شركاء في قضية واحدة، مستدركا بالقول انه فيما يخص
العفو الخاص في ظل الفراغ في سدة الرئاسة تستطيع الحكومة كما تعمل بالاصالة عن
نفسها ان تعمل نيابة عن رئيس الجمهورية، اي ان مجلس الوزراء يستطيع في هذا الاطار
ان يلتئم بنصاب الثلثين اي 16 وزيرا من اصل 24، وان يوقعوا مرسوم العفو الخاص نيابة
عن رئيس الجمهورية بالنصف زائدا واحدا من اصل النصاب، اي بتوقيع 9 وزراء فيما لو
انسحب السبعة الآخرون من الجلسة.
اما لجهة اطلاق سراح سجين غير محكوم، فيؤكد حنين أنه لا سبيل لتطبيق اجراء مماثل
الا من خلال ترتيبات قضائية لن يعجز القضاة عن ايجادها.
وردا على سؤال، ختم حنين مؤكدا انه في حال قررت الدولة اللبنانية المقايضة لن
يكون امامها سوى وسيلة العفو الخاص نظرا لعدم قدرة المجلس النيابي على التشريع في
ظل غياب رئيس الجمهورية.