وفي غمرة الانشغال بالحديث عن شعبية “حزب الله” في الأردن وتراجعها منذ انطلاق الثورة السورية مطلع مارس/آذار 2011، وانحسارها في صفوف التيارات والأحزاب اليسارية والقومية المؤيدة للنظام السوري، تجلّى حضور الحزب على الساحة الأردنية بالإعلان عن خلية أردنية تنتمي إليه، وتهدف إلى ارتكاب أعمال إرهابية في المملكة، وضد المصالح الأردنية في الخارج.
وعلم مصادر صحفية أن “الاستخبارات العامة فككت خلية تابعة للحزب في شهر مايو/أيار الماضي، تضمّ في صفوفها ثمانية أفراد، سبعة أردنيين قبض عليهم، وثامن سوري هارب”.
وتشير المعلومات إلى أن “علاقة الخلية مع الحزب بدأت عام 2011، بمبادرة من العقل المدبر للخلية الذي توجه إلى لبنان والتقى أحد عناصر الجهاز الأمني للحزب، عارضاً التعاون مع الحزب في سبيل تنفيذ عمليات ضد المصالح الأميركية، والاسرائيلية في المملكة. وأبدى الحزب اهتماماً بالأردن الذي يمتلك أطول حدود مع فلسطين، والتي رأى فيها المسؤول الأمني نقطة عبور إلى الداخل الفلسطيني”.
وبعد اللقاء، بدأت مرحلة التنظيم التي انتهت بتجنيد أعضاء الخلية، الذين تبين أنهم جميعاً من ميسوري الحال والمتعلمين، وعُثر في حوزتهم لحظة قبضهم أعلام وشعارات الحزب، إضافة إلى كميات من الأسلحة والذخيرة، حاولوا تهريبها إلى فلسطين.
وبناءً عليه أعدّ مدعي عام أمن الدولة لائحة اتهام تضمّ تهماً ووقائع تحقيقية، يُنتظر عرضها في قاعة المحاكمة المتوقع أن تبدأ نهاية سبتمبر/أيلول المقبل، ليصار إلى إثباته ومعاقبة الخلية بعقوباتٍ تصل إلى الاشغال الشاقة المؤبدة، أو تبرئة المتهمين.
ويلفت الخبير في حركات الإسلام السياسي، محمد أبو رمان، إلى أن “واقعة الخلية ليست الأولى التي يُتهم فيها حزب الله على الساحة الأردنية، إذ سبقتها اتهامات عدة طالت الحزب بمحاولة العمل داخل المملكة”.
ويرى في خصوصية الخلية أنها “المرة الأولى التي يوجه الاتهام الى الحزب بالعمل على الساحة الأردنية، بعد الثورة السورية”.
وسبق لـ”حزب الله” أن اتُهم مطلع عام 2010 بالوقوف وراء محاولة اغتيال السفير الاسرائيلي في عمّان، داني نافو، من خلال استهداف موكبه أثناء تحركه من عمّان في اتجاه جسر الملك حسين ( اللنبي)، بعبوة ناسفة زُرعت على الطريق، وفُجّرت عن بعد بعد مرور المركب بثوانٍ، لينجو السفير.
وهي العملية التي أشارت جهات أمنية أردنية، في حينه، إلى وجود بصمات لـ”حزب الله” فيها، كما كشف موقع “ويكيليكس”، في يناير/كانون الثاني 2010، برقية تتضمّن حواراً بين رئيس الأركان الإسرائيلي، غابي اشكنازي، ومبعوث الأمم المتحدة الى لبنان، مايكل وليمز، ويقول أشكينازي إن “في يد اسرائيل معلوماتٍ تفيد أن حزب الله كان ضالعاً في العملية ضد قافلة السفارة الاسرائيلية في عمان”.
ويستغرب أبو رمان انخراط أردنيين في خلية “حزب الله”، في وقت تشهد شعبية الحزب تراجعاً حاداً، كرد فعل على قتاله في سورية الى جانب النظام، لكنه يبرر الأمر بحالة “الاحباط وخيبة الأمل والواقع السياسي العربي الذي وفر بيئة صعود التوجهات الراديكالية”. وأكد أن الأردن ليس مستهدفاً من الحزب.
ويشير استطلاع أجراه مركز “بيو” الأميركي للأبحاث في يوليو/تموز الماضي إلى أن “81 في المائة من الأردنيين يرفضون حزب الله، مقارنة بـ 44 في المائة كانوا يرفضونه عام 2007”.
وهو التراجع الذي يبرره أبو رمان بموقف الحزب من الثورة السورية، وانهيار علاقة التحالف التي كانت تجمع الحزب مع جماعة “الاخوان المسلمين”، والتي كان عنوانها الموقف من القضية الفلسطينية، بفعل المواقف المتباينة من الربيع العربي، إضافة إلى الصدع الذي شق علاقة الحزب مع “حماس”.
وشكلت حرب يوليو/تموز 2006 الدفعة الأساسية لتنامي شعبية “حزب الله” في الأردن، وهي الشعبية التي دفعت “المفتتنين” بإنجازات الحزب إلى رفع راياته وصور أمينه العام، حسن نصر الله، في المسيرات التي خرجت في عمّان حينها، وحتى تلك التي نظمتها “الاخوان”.
وأوجد الافتتان بالحزب وإنجازاته ظاهرة “التشيّع السياسي”، التي أوكلت مهمة مطاردة عناصرها إلى دائرة الاستخبارات.
غير أن أبرز ما حدث هو تطور الظاهرة إلى تشيّع مذهبي، تُرجم لاحقاً بإعلان التأييد للحزب، وهي الظاهرة التي بدأت داخل صفوف حزب “جبهة العمل الإسلامي”، الذراع السياسية لـ”الاخوان” في الأردن. وهي الظاهرة التي واجهها الحزب بفصل كل من يثبت تورطه على غرار ما فعل نهاية عام 2008 عندما فصل ثلاثة متشيعين.
وتدلّ المؤشرات على علاقة خلاف وتوتر تربط الحكومة الأردنية بحزب الله، إذ بقيت الحكومة الأردنية منحازة الى خصوم الحزب على الساحة اللبنانية، غير أن أحد المسؤولين الأردنيين، رفض الكشف عن اسمه، أكد أن “علاقة الحكومة بحزب الله تتحدد من خلال المشهد اللبناني، ويتم التعامل مع الحزب من خلال الدولة اللبنانية التي ينخرط في مؤسساتها”.
واستبعد “إقدام حزب الله على محاولة اختراق الساحة الأردنية”، مؤكداً أن “القانون الأردني يجرّم الأردنيين الذين يعملون مع منظمات وأحزاب خارجية، لاسيما إن كانت أعمالها عسكرية أو ذات طابع عسكري”.
وفنّدت مصادر سياسية وأمنية عدم وجود أي أطماع للحزب بالعمل على الساحة الأردنية، ما يرجح فرضية سعي مجموعات أردنية تطمح الى مواجهة اسرائيل للتواصل مع الحزب، في ظل غياب مبادرة من الحزب لتنظيم أردنيين.