لسنوات عديدة خلت كانت الدراما التلفزيونية مكرسة لتلميع البطل الرجل وتهميش النساء في أدوار تعتبر إما سنيدة له أو مكملة، دون أن تكون في الواجهة أو المحرك الأساسي للحدث، لكن خلال رمضان 2014 اختلف المشهد حيث تحتل النساء الشاشة، كممثلات وكاتبات، ومخرجات.
نيللي كريم وكاملة أبو ذكري
حقق مسلسل “سجن النساء” نجاحاً جماهيرياً باهراً هذا العام، فبطلته المحورية نيللي كريم تتقدم بخطى حثيثة لتكون – دون مبالغة- فاتن حمامة عصرنا، فخلال العامين الأخيرين، إستفادت نيللي من الفرص الهامة التي أتيحت لها لتلمع وتشرق وتبرز ملامح نضجها الفني، إذ فاجأت المشاهدين بأدائها في مسلسل “ذات” العام الماضي، وأذهلت المشاهدين بشخصيتها في مسلسل “سجن النساء” هذا العام.
نيللي كانت حبيسة شخصية الفتاة الجميلة الأرستقراطية، تقدم في السنتين الأخيرتين دوراً بعيداً عن كل ما قدمته في تجاربها السابقة، وتظهر بشكل لم يتخيّل أحد أنها يمكن أن تتقنه أو تقنع المشاهد فيه لهذه الدرجة، جاء أداؤها تلقائياً، ونجحت في خلق “كاركتر” السجانة التي لا تنتمي للمهنة، الطيبة المقهورة، المرأة العاشقة الضعيفة أمام “صابر الواطي” الرجل الذي تعلم جيداً أنه يستغلها وتسمح له بذلك حتى يضيعها تماماً.
نيللي أنستنا من تكون، وإقنعتنا أنها “غالية” بأسلوب ذكرنا بتألق سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة بدورها في فيلم “أفواه وأرانب”، ولا نعلم إذا كانت نيللي قد فكرت في هذا الأمر أو إستعارت أدوات فاتن حمامة وهي تقدم دور “غالية” رغم إختلافه في التفاصيل عن دور فاتن حمامة، نحن نتحدث هنا عن التقمص الذي ينسيك الشخصية الحقيقية للممثل، فتتذكره بإسم وملامح دوره حتى بعد سنوات من مشاهدة العمل، فيبقى عالقاً في ذاكرتك لا ينسى.
أما كاميرا كاملة أبو ذكري فهي تقدم الدراما بطعم وإحساس وصورة سينمائية خالصة تستدعي منّا توجيه التحية لمخرجة متميزة ومتفوقة في مجالها.
فطريقة تصوير سجن النساء تعتبر من أفضل ما شاهدناه على التلفزيون حتى الآن، خصوصاً أنها إعتمدت أسلوب الواقعية، المؤلم جداً، وركزت على التفاصيل، وسردت القصة بكاميرتها دون الإعتماد على النص في مشاهد مهمة عديدة، ساعدها نص رائع للقديرة الراحلة فتحية العسال، والحوار الواقعي البعيد عن الكليشيهات، والسيناريو المكتوب بحرفية كبيرة لمريم نعوم، فالشخصيات ثلاثية الأبعاد، حيّة، حقيقية، مرسومة بدقة، نقاط الضعف والقوة، الخير والشر، الصراع بين الحاجة والخطيئة، والإستسلام للظروف القاهرة كلها ثيمات تم تناولها في السابق، لكن العدسة المختلفة تصنع عملاً متفرداً وهكذا كان “سجن النساء”. فريق نسائي خالص أعاد الإعتبار للمرأة البطلة في الدراما التلفزيونية.
فنيللي كريم نجحت بتوافر النص المناسب للكاتبة فتحية العسال، والسيناريست ميريم نعوم، والمخرجة كاملة أبو ذكري في أن تكون جوهرة التاج لدراما رمضان 2014.
غادة عبد الرازق لم تعد السيدة الأولى
لسنوات خلت كانت غادة عبد الرازق وسمية الخشاب من الإستثناءات القليلة التي كانت تحظى بفرصة البطولة المطلقة في الدراما التلفزيونية، وتراجعت سمية في الأعوام الثلاثة الأخيرة لأسباب صحية وإنتاجية، بينما إستمرت غادة بذكاء عندما قررت أن تنتج لنفسها وتنفرد بالبطولة على الشاشة المصرية.
غادة نجحت نجاحاً باهراً في “مع سبق الإصرار” عندما غيّرت جلدها وقدمت شخصية محامية شهيرة، تدفع ثمن أساليبها الملتوية في تطويع القانون لصالح المذنب. ونجحت كذلك ولكن بدرجة أقل في “حكاية حياة”، ويبقى من المبكر أن نحكم على تجربتها الجديدة في “السيدة الأولى” خصوصاً وأنها لم تعد السيدة الأولى في الساحة الفنية لأنها لا تلعب منفردة هذا العام، فتوزعت نسب المشاهدة على المنافسات.
رانيا يوسف تعوض غلطة الأخوة بالسبع وصايا
برزت رانيا يوسف كبطلة محورية في مسلسل “أهل كايرو”، وإستمرت على نفس النسق في أعمال جميلة أخرى نذكر على الأخص مسلسلي “موجة حارة” و”نيران صديقة” العام الماضي، هذا النجاح والتميز ساعداها على توسيع رقعة تواجدها على الشاشة، فهي تقدم اليوم دور عمرها في مسلسل “السبع وصايا” الذي عوضها عن إختيارها الخاطئ وقبولها بظهور هامشي في مسلسل الأخوة لا يتناسب مع شطارتها وإمكانياتها كممثلة مهما كان نجاح المسلسل كبيراً. وكان قرارها بالإنسحاب صحيحاً وإن جاء متأخراً.
هيفاء وهبي ليست مجرد كلام على ورق
بغض النظر عن الإنتقادات التي وجهت للمسلسل، والتي تأتي بمجملها سطحية، وبعيدة عن أساسيات النقد الفني، إلا أن هيفاء وهبي نجحت بـ “كلام على ورق” في إثبات قدراتها كممثلة يجب أن تؤخذ بجدية، وتمنح أدواراً أهم، أساسها الموهبة وليس الشكل فقط، فهي في “كلام على ورق” ليست مجرد وجه وجسد فاتن، ولكن ممثلة موهوبة تتقن التعاطي مع الكاميرا التي تعشقها أساساً، وتقدم دوراً صعباً، وتظهر سيطرة تامة على جميع أدواتها كممثلة، إن كان بتعابير الوجه، أو إيماءات الجسد، أو نبرة الصوت.
ورغم أنها تقدم دوراً قريباً من طبيعتها كإمرأة جميلة، ذكية، وقوية، تجيد التلاعب بالرجال وتطويعهم لمصلحتها لتتقدم في الحياة، لكن هذا لا يمنع أنها كانت على قدر التحدي. وعليها أن تأخذ بنصيحة المخرجة إيناس الدغيدي جيداً وتنتقي أدوارها بعناية كبيرة مستقبلاً، وتدرك أن موهبتها الحقيقية التي تستحق التركيز الكامل منها تكمن في التمثيل لا الغناء.
ميريام فارس عامل الجذب الأساسي في إتهام
تقدم ميريام فارس تجربتها الدرامية الأولى في مسلسل إتهام، وتبدو ميريام نقطة القوة الوحيدة في المسلسل الذي تدفعنا لمتابعته، حيث قدمت أكثر من “ماستر سين” أو مشهد رئيسي رائع خصوصاً في المقبرة، وهي تبكي والدتها، وخلال وفاة زوجها والحامي لها عزت أبو عوف.
المشكلة الأساسية في هذا العمل تكمن في النص الذي قدمته الكاتبة كلوديا مارشيليان والذي لم يكن بمستوى النصوص الأخرى للأعمال التي تتنافس على الشاشة، فالشخصيات نمطية، بناؤها الدرامي ضعيف، والثيمة معلوكة درامياً وسينمائياً مسرحياً، وسبق وقدمتها شويكار، وصفية العمري في السابق، ولم تضِف مارشيليان جديداً عليها، ويمكنك توقع سير الاحداث بسهولة، لا مفاجآت هنا على الإطلاق، فالمشاهد منذ بداية الأحداث وهو شبه واثق من شخصية زعيم العصابة الشرير وجاء مشهد كشفه نمطياً جداً، وحتى تقلا شمعون تلك الممثلة الكبيرة في إمكانياتها، تشعر انها محبوسة في دور محدود، وشخصية عادية لا تتيح لها البروز، أو التألق، لذلك نتمنى على ميريام فارس أن تأخذ موهبتها بالتمثيل بجدية أكبر، وتختار نصوصاً أقوى وأجرأ في المرة القادمة، وعلى كلوديا مارشيليان أن تدرك أن الزمن تغيّر وإختلف إيقاعه وإذا أرادت أن تنافس عربياً عليها أن تغيّر التركيبة التي تعمل بها، فهي تتعكز هنا على نجومية ميريام فارس وبقية أبطال العمل ولا تقدم نصاً قادراً على الإرتقاء بهم لمساحات جديدة في الأداء.
ايلاف