ثمة ظنّ بأنّ المُراد من مسلسلات رمضان وقتٌ يمرّ لطيفاً. في كلّ سنة نتساءل: هل من غاية أخرى؟ إننا في منطقة تكاد تتحوّل أرضاً رهيبة من التشظّي والعدم، فلا تجد الدراما، باستثناء محاولات، أنّها متورّطة. كلّ ما هنالك أنّ الأولوية ليست هذا الواقع المُدمَّر، وأنّ الإنسان كموضوع درامي لم يرتقِ بعد الى مرحلة الطرح. تجيد المسلسلات تهميش الواقع لعجزها عن امتلاك أدواته (نصّاً واخراجاً وتمثيلاً)، ثم تستعيض عن لاواقعيتها بزيف السرد المثير للضحك.
ليس المطلوب أن تغرق الدراما في سوداويتنا ودمائنا، وأن تقدّم (فقط) ما يجعلنا ننوح ونسخط. إننا في حال بحث عن قضايا الإنسان الكبرى. الإنسان العادي البسيط الذي يجد المُشاهد نفسه في ملابسه وسلوكه وأرجاء منزله. الإنسان الذي يقضي ساعات في الزحمة، وتنقطع الكهرباء في منزله، وقد ينام مع معدة خاوية أحياناً. نتأكد مرة أخرى أنّ الدراما العربية عامة غير صالحة لمداواة الجرح. خذ “إتهام” (“الجديد”) أو “كلام على ورق” (“المستقبل”) أو “الأخوة” (“أل بي سي آي”) أو “لو” (“أم تي في”). أعمال تُصنَع على قياس أبطالها (بطلاتها)، تماماً وفق الطول والعرض. موضوعاتها مملة، تتغنّى بالكليشيهات المُستهلكة: خيانة ودعارة وانتقام وحب لا يُطعِم خبزاً. دَرَج في هذا الموسم الرمضاني أن تحجز الجريمة مكانها على شاشاتنا. “كلام على ورق” من أجل أن تظهر بطلته هيفا وهبي إمرأة خطرة. لا بأس بتكرار الثمية إن تعمّدت المقاربة عمقاً (كمسلسل “سجن النسا” الذي يتناول الدعارة من جانب تداعياتها النفسية على السجينات). لنعتبر أنّ “عشرة عبيد صغار” (“أم تي في”) شأنٌ درامي آخر، وأنّ بُعده من الواقع بهذا الشكل مُحبَّبٌ أحياناً، لكن ماذا عن أداء ممثليه (غالبيتهم) البالغ من السذاجة مبلغاً مستهجناً؟
الواقعية المسلوبة درامياً
راقِب ميريام فارس تخوض التمثيل التلفزيوني للمرة الأولى. أداء مُبالغ فيه في ذرف الدمع على تطورات خالية من المعنى. العمل لا يقول أعمق من هذه الجملة: “ميريام فارس بطلة”. إنه موسم النجوم لا القضايا المُزمع طرحها. مسلسلاتٌ جيء بالنجم عساه يعوّض خواءها. اليك عابد فهد في “لو” وهو يؤدي دوراً يثير السخرية. مُنتَجٌ يُسخِّف الخيانة ويسلبها واقعيتها. أما “الأخوة”، فمحاولة رديئة لتقليد دراما الأتراك حوادثُها من زحل.
أعمالٌ تُنقِذ المُشاهد من الطفرة، لتتيح له الشعور بحيّزه وسط ضجيج ما عاد يُحتَمل: الى “سجن النسا” (“الحياة”، “روتانا مصرية”…)، “قلم حمرة” (“السومرية”) و”حلاوة الروح” (“أبو ظبي الأولى”)، و”بواب الريح” و”الحقائب” (“أل بي سي آي”)، و”السبع وصايا” (“أو أس أن”، و”سي بي سي”)، و”دهشة” (“أم بي سي”، و”أن بي أن”)… لا بدّ أن ثمة ما يفوتنا سنورده لاحقاً.
قد تتساءل عن “باب الحارة 6″، فلا يُفاجئك رأيٌ يقول أنّه، كـ”صاحب السعادة” (“أم بي سي”، “أل بي سي آي”)، كلاهما مخيّب للآمال مع أرجحية أن يمتلئ الأول بالتطورات المفتعلة الآيلة عبثاً الى انعاشه، فيما “صاحب السعادة”، في أحيان، ينجح في إضحاكنا. أما تُحف البيئة الشامية (“الغربال”، “طوق البنات”…) فاستنساخ لأصل هو عينه أمسى عبئاً ثقيلاً.
نجرؤ أن نُحمِّل الدراما مسؤولية رفضنا واقعنا، وأن نجاهر بأنها في غالبيتها خدّاعة وعاجزة ومصطنعة. قليلة المسلسلات المُتمكّنة من استمالتنا كونها حقيقية لا كونها مثيرة (للإثارة معانٍ عدة، يا للمفارقة أنها جميعها حاضرة في رمضان!). لن يفوتنا الإعتراف بأن “سرايا عابدين” (“أم بي سي”) أشبه بدعابة هذا الموسم، وأنّ “فرق توقيت” (“النهار”) يبالغ في استعراض نجومية تامر حسني، و”سيرة حب” (“أو أس أن”) بالكاد يشكّل إضافة لنجمته الجميلة سيرين عبدالنور.
فاطمة عبدالله
Twitter: @abdallah_fatima