لا شك ان لبنان يواجه هجمة تكفيرية كبيرة تأتي في سياق سيناريو مكتمل المعالم في المنطقة يقوده “تنظيم داعش” بهدف تفريغها من الاسلام الحقيقي الذي حمل رسالة المحبة لا العنف، ولا شك ايضاً بأن هذه الهجمة باتت تزيد من تعلق الفرد في القيمة الدينية السامية، خصوصاً تلك التي تحوي قيم الفداء للدين وبذلاً الدماء في سبيله.. ولعاشوراء في هذا مثلُ يحتذى. لا شك بأن عاشوراء الإمام الحسين ارثت ثقافة جهادٍ وفداءٍ قلّ نظريها تنطلق من مفهوم ديني حقيقي صافٍ لمعنى الاستشهاد ومعنى بذل النفس في سبيل الدين وحرية الفرد والإصلاح في أمة بعثرها الظالمون، وثقافة عدم الإستزلام والخنوع للطغاة مهم علا شأنُهم. مفاهيم عاشوراء باتت مثالاً يحتذى لكثرٍ من الاحرار الطواقين إلى الحرية في العالم، وباتت في هذا الزمان مدرسةٌ يُنهل منها علمُ الفداء ويتعلم الفرد منها أسمى معاني العشق المخلص للمثل العليا الصالحة. في طور الهجمة “الداعشية” التكفيرية على المنطقة، تأتي ذكرى عاشوراء وتنتدرج ضمن الاولويات، فلم يعد الأمر محصور ضمن مجال إحياء شعائر الذكرى الاليمة وحسب، بل باتت تتعداه إلى فهمٍ أكثر لعمق الغاية التي قام من أجلها الحسين بثورته على الارتداد والتكفير الديني وسرقة الرسالة التي تجسدت يومها بيزيد، باتت لعاشوراء هذا العام لها معانٍ اكثر خصوصاً مع إتضاح الصورة لجهة من يقوم بسرقة الدين تحت اسسٍ واهية، وبين من يقوم بحمايته تحت اسسٍ نبيلة، وعليه، باتت عاشوراء وثقافتها حاجة ضرورية في هذه المرحلة لمواجهة أفكار التكفير وشق صف المسلمين، وباتت ايضاً حاجة للجمع بين مذاهب المسلمين من أجل النهوض بثورة مستمدّة من ثورة الحسين لانقاذ الدين من الطفيليات المسماة “داعش”. في لبنان، لا شيء يعلو فوق صوت عاشوراء وثورة نينوى المجيدة، هنا، في الضاحية الجنوبية لبيروت وعلى الرغم من الهجمة الداعشية، إلا ان الصوت يعلوا بوضوح: “لو قطعوا الارجل واليدين.. لا نتخلى عن الحسين” في رسالة واضحة للتهديدات الداعشية المنتشرة والمتمحورة حول إستهداف أماكن العزاء الحسينية. فاطمة سليمان، أبنت الـ 23 ربيعاً، هي طالبة في الجامعة اللبنانية، كلية الاعلام والتوثيق، ترى في عاشوراء الامام الحسين طريقاً للعبور نحو النهج المحمدي الأصيل، وهي مدرسة تُعلّم معاني الفداء. تعتبر ان التهديدات “الداعشية” “هزلية ولا تمت للواقع بصلة بل تمت إلى ثقافة معاداة ثورة الحسين القائمة على مبدأ إصلاح الدين ومحاربة الباطل، الباطل المتمثل بداعش واخواتها اليوم الذين يقتلون بإسم الاسلام كل نفسٍ ذكية”. فاطمة، لا تترّدد في القول انها مستعدة لاحياء الشعائر الحسينية بكل ما فيها من معانٍ تجسد نهج الفداء وبذل الدم ولن يرهبها تهديداً من هنا او هناك، بل لا تخفِ إستعدادها للموت في سبيل قضية الحسين المتجددة”. تقول، انها وفي هذه الفترة باتت تفهم أكثر لأي أسبابٍ قامت ثورة الحسين، وماذا اسست لاحقاً، فهى تعتبر ان التاريخ يتكرّر، فاللذين قام في وجههم الحسين بعد ان حاولوا سرقة الدين وتحريفه، يتكرّرون اليوم بأشكالٍ مختلفة لكن على المبدأ ذاته، وعليه، فإن معالجة هذه الظاهرة الشاذة لا تتم إلا في نفس الاسلوب الذي واجه به الحسين وارساه، وهول القتال بالحجة وعدم الخنوع للظالم والإنطلاق من فهمٍ دينيٍ سليم لاسس ثورة الحسين لنيل الظفر لاحقاً، وفي الوقت عينه، تُشدّد على ان ثورة الحسين لم تكن شيعية ولا سنية، بل ثورة إسلامية إصلاحية، وثورة إنسانية عميقة، وثورة الحق في وجه الظلم. في الشارع العريض، احد الشوارع التي شهدت إجرام “داعش” و “النصرة” يجلس “ابو حسن” مشغلاً السيجارة بيده، حاملاً بينهما صحيفة لبنانية ورقية يتفقد كلماتها بعينيه اللتان لم تتأثران بمرور الزمن. عند سؤالك إياه عن تهديدات “داعش” بإستهداف أماكن إحياء عاشوراء يجاوبك بنبرة جنوبية فيها ما فيها من عزمٍ وقوة: “فشروا”. يتابع: “يا بنتي ثورة الحسين لا يوقفها طاغٍ ولا طغاة”. يؤشر “أبو حسن” في يديه التي مرّ فيها الزمن وحفر، ويقول: “إنظري، هنا فجر الإنتحاري نفسه، دققي أكثر في محيط الانفجار، ها نحن هنا نجلس وكأن شيئاً لم يكن إسأليني لماذا؟!”. سألت، قال: “انها ثورة الحسين وما فيها علمتنا ان لا نخنع او ان نسكت عن ضيم.. نحن لا نخافهم”. حولني “ابو حسن” في دقائق من صحافية تحاول إستقاء المعلومات، إلى مستعمة تعطي الأجوبة، فقوة إرادة وتصميم أبو حسن هي حالة عامة يختزنها جميع سكان الضاحية. تسير في الضاحية ولا شيء يُعكّر صفوها، هنا، الرايات السود الحقيقية وإشارات الحزن ومظاهره باتت تغطّيها، فمصاب الحسين لا يزال يدمي الضاحية التي لا تزال تنهل من مآثره. جميع من إلتقيناهم أجمعوا على عدم الإكتراث لتهديدات “داعش”، فالمشاركة هذا العام في عاشوراء لا تختلف بالاعداد عن سابقاتها، لكن الاختلاف سيكون في الوقت التي تأتي به، فهي تأتي في ذروة إستغلال التكفير الديني ضد الدين، في وقتٍ بتنا بأمس الحاجة للاستفادة من مبادىء ثورة الحسين في حرب إسقاط التكفير.
تعميم المركزي يخفض سعر صرف الدولار؟
بعد أن اصدر مصرف لبنان تعميماً جديداً يلزم المصارف بالحصول على موافقة مسبقة منه قبل فتح اعتمادات او دفع فواتير...