تعتبر مصادر عسكرية أن فرار المجند في الجيش اللبناني عاطف سعد الدين لا يمكن وصفه
بأنه حالة انشقاق، بل عمل فردي محصور بشخص، وليس له أي تأثير على المؤسسة العسكرية،
أولا للرتبة التي يحملها هذا العسكري، ثم للجهة التي انتمى إليها، وهي «جبهة
النصرة» المصنفة إرهابية.
والجيش محصن من داخله، ولن تؤثر عليه مثل هذه الحالة الشاذة عنه وعن تنشئته
الوطنية وعقيدته القتالية، كما تقول المصادر العسكرية، التي تنظر الى ما قام به هذا
المجند، على أنه يدخل في إطار التشويش الإعلامي على الجيش الذي يتعرض لإساءات
وانتقادات تساعد في خلق مناخ سلبي ضده، مما يدفع بتنظيمات إرهابية أن تتسلل الى بعض
العناصر وتستغلها في مشاريعها وأهدافها، وإشاعة أجواء نفسية ومعنوية ترى أنها تؤثر
على الجيش وضباطه وعناصره.
ولكن هناك من يصر على تضخيم الحادثة وإضفاء أبعاد سياسية وطائفية عليها
واعتبارها مؤشرا الى وضع مقلق آخذ في التفكك وسائر الانفجار.
وهذا نموذج (ورد في صحيفة «الحياة» للمحلل حسام عيتاني) جاء فيه: السياق الذي
جرى الحادث فيه ينبئ بالكثير.
يكفي النظر الى مسلسل الأحداث في لبنان في الأسبوعين السابقين على فرار سعد
الدين لتوقع الأسوأ، فمن اضطراب الأمن في طرابلس احتجاجا على اعتقال «قادة المحاور»
في باب التبانة والمراوحة في محاكمات المعتقلين الإسلاميين في ملفات تعود الى حرب
مخيم نهر البارد في 2007، واقتحام حزب الله والجيش السوري بلدة الطفيل ومقتل عدد من
أبناء البلدة أثناء مقاومتهم الهجوم، ثم اعتقال القيادي الإسلامي حسام الصباغ على
رغم مشاركته في التنسيق الأمني مع الأجهزة اللبنانية، وصولا إلى عودة التوتر الشديد
في عرسال ومحيطها بسبب المعارك الدائرة في القلمون وجرود البلدة بين مقاتلي
المعارضة السورية وحزب لله.
وكلها عناوين لوضع عام، جاء انشقاق سعد الدين
ليشير الى تفاقمه واقترابه من حدود الانفجار.
يقول هذا المسلسل أمرين: الأول أن التسوية التي أنهت الفراغ الحكومي في مارس
الماضي شكلت انتكاسة كبيرة لتيار «المستقبل» وحولته من معترض على نشاطات حزب الله
في سورية وعلى هيمنته على الأمن والسياسة في لبنان، الى مسهل لهذه النشاطات
والهيمنة ومشارك فيهما من خلال تحالفه أو تقاطعه الموضوعي مع الحزب في اعتبار
«الإرهاب» عدوه المطلق، وسيره ـ مدركا أو غير مدرك ـ في مسار اختطه حزب الله في
استعداء شريحة كانت ذات يوم من جمهور «المستقبل»، هذا على الأقل ما يعبر عنه
متحدثون باسم «الإسلاميين» اللبنانيين.
الأمر الثاني، وهو الأهم، أن علامات الشقاق داخل الطائفة السنية اللبنانية تترسخ
وتتكرس على نحو لا يترك مجالا إلا لانتظار المزيد من الصراعات بين التيار الإسلامي
الأقرب الى منطق جبهة «النصرة» (وليس «داعش»، لأسباب عدة ترتبط بمشروع «الدولة
الإسلامية» قبل البيئة الحاضنة) وبين تيار «المستقبل»، وهو صراع ينطوي على معان
اجتماعية وجهوية وطبقية (الفقراء السنة ضد الطبقتين المتوسطة والثرية، أهل الريف ضد
أبناء المدن…إلخ).
يرى السنة أنهم موكلون بمهمة تاريخية تتعلق بوقف التمدد الشيعي ـ الإيراني ونفض
الغبار عن موقع ودور سلبهما تحالف النظام السوري وحزب الله وأدى تيار «المستقبل»
دور الشاهد العاجز في أحسن الأحوال والمتواطئ في أسوئها، مع ما كانت تتعرض له
الطائفة السنية. حادثة انشقاق سعد الدين مجرد رأس جبل جليد الصراعات الطائفية، ليس
في الجيش وحده، بل في كل مؤسسات الدولة والإدارة.