اذا كان الطرفين الاقليميين الراعيين للوضع اللبناني «الهش» لا يرغبان في انعكاسات سلبية مباشرة لتوتر علاقاتهما على الساحة اللبنانية، فهذا لا يعني ان الاستقرار مضمون، فللمواجهة اشكال متعددة، كما ان «المصطادين» في «الماء العكر» كثر ايضا، وهناك اكثر من جهة اقليمية ودولية ستسعى للاستفادة من اختلال العلاقات الايرانية السعودية، وهذا يعني ان مرحلة صعبة مقبلة على اللبنانيين اذا لم تحصن الساحة الداخلية في مواجهة التداعيات المحتملة لانهيار «جسر التفاهم» السعودي الايراني. فما هي المخاطر المتوقعة؟
اولا ثمة مؤشرات سعودية مريبة تقول اوساط مقربة من فريق 8 آذار بدأت تتظهر منذ فترة، انعكست «خبثا» غير مسبوق لدى «تيار المستقبل» في التعامل مع التطورات والاحداث، وأن هناك عودة واضحة الى سياسة تأمين التغطية السنية للظواهر المتطرفة لاستخدامها مجددا في «وجه» حزب الله، فكلام الرئيس سعد الحريري الاخير عن استعداده لمواجهة وقتال كل من يريد ان يعتدي على الجيش، يبقى كلاما غير مقرون بالافعال، فهو يعلن الحرب دون ان يقول كيف سيقاتل؟ وهو ايضا «يدير» مع نوابه ووزرائه سياسة تتعمد التفريق بين المواجهة التي يخوضها الجيش وحزب الله معا ضد الارهاب، وثمة تشويه متعمد لصورة الحزب واظهار معركته ليس فقط انها ضد الشعب السوري وانما في مواجهة السنّة. طبعا هذه الاستراتيجية جرى تفعيلها ردا على نجاح الحزب في استقطاب شرائح شعبية مهمة على ضفتي 14 و8 آذار رأت فيه «سدا منيعا» في وجه التكفيريين. هذا في السياسة، فماذا عن الامن؟
تتخوف تلك الاوساط من عودة الاغتيالات السياسية الى الساحة الداخلية بعد فترة طويلة نسبيا من الغياب، «فالمظلة» الاقليمية التي أمنت نوعا من الاستقرار على هذا الصعيد اهتزت اليوم، وعاد الانكشاف مجددا ليكون سيد الموقف، فالبلاد ستكون مكشوفة امام «لعبة» استخباراتية مفتوحة بين كافة الاطراف، وتستفيد منها جهة ثالثة ستسعى طبعا للنفاذ من الواقع الامني المختل، ولا بد من الاشارة الى ان اعداء السعودية وايران كثر، والطرفان راكما كما نوعيا من العداوات مع اطراف دولية واقليمية، والساحة اللبنانية ستكون مهيأة لتصفية حسابات من النوع الذي يمكن ان تتلطى وراءه تلك الاطراف لوضع ما يمكن ان يحصل في سياق تصفية الحسابات الايرانية ـ السعودية. وفي ظل اختلال التعاون الامني بين الجانبين فليس مستبعدا عودة عجلة «صندوقة البريد» الدموية الى الدوران مجددا. وعلم في هذا السياق ان ثمة جهات لبنانية رسمية تعمل على خط الحفاظ على الحد الادنى من استمرار التعاون والتنسيق الامني الاقليمي الذي ساهم في فترة الهدوء السائدة حاليا. لكن لا ضمانات فعلية لنجاحها؟
وفي المقابل تخشى تلك الاوساط من عودة التفجيرات الارهابية الى سابق عهدها، واذا كانت استخبارات الجيش وامن المقاومة قد نجحا في الفترة الماضية في تفكيك عدد من الخلايا الارهابية في لبنان وسوريا، مما قلل من مخاطر حصول هذه التفجيرات، فان الهاجس الحقيقي يبقى في الارهاب المستورد، والخوف هنا من تراجع التعاون الامني الاقليمي والدولي للكشف عن الانتحاريين القادمين من خارج الحدود، وهذا الملف شديد الاهمية واي تراجع في التعاون حول هذا الملف سيعني ان مهمة الاجهزة الامنية اللبنانية ستزداد صعوبة خصوصا اذا تقاعصت استخبارات عدد من الدول الاقليمية عن تقديم المعلومات عن رعاياها المتورطين بالارهاب. حتى الآن لم ترد اي اشارات ايجابية يمكن الركون اليها للاطمئنان حول استمرار التعاون، مع العلم ان «ثمة» اكثر من جهة معنية قد حاولت «جس النبض» دون الحصول على جواب واضح.
اما عملية «انهاك» الجيش فيبدو انها ستشهد عملية تزخيم ممنهج في الشمال ومناطق أخرى بعد ادخال تعديلات عملانية على طبيعة تحرك «الخلايا النائمة» والمجموعات المسلحة المكشوفة، فالتسوية «المسيئة» التي توصلت اليها فاعليات وعلماء الدين في منطقة التبانة في مدينة طرابلس، بغطاء سياسي من تيار المستقبل، مع الارهابيين اسامة منصور وشادي المولوي، تعد ابرز مؤشر على المرحلة المقبلة، فمن يدير «مسرح العمليات» تنبه الى خطورة استنساخ تجربة المربع الامني في عبرا، وخشي على منصور والمولوي من نهاية مشابهة للشيخ «الفار» احمد الاسير.
وفي هذا السياق، تشير الاوساط الى ان جزء من المناقشات مع تلك المجموعة التي كانت تتحصن في مسجد عبد الله بن مسعود، تمحورت حول «المصلحة» في التجمع العلني في مكان محصور والدخول في حرب غير متكافئة مع الجيش، او مواجهة في توقيت خاطىء نتيجة احتكاك غير مخطط له مسبقا، وهنا تمت التسوية على اساس سحب السلاح من المسجد الى جهة مجهولة، ولم تطرح ابدا مسألة تسليم الاسلحة للجيش، كذلك لم يتضمن الاتفاق اي بند يتعلق بمغادرة منصور والمولوي مع مجموعتهما المسلحة لبنان. واليوم اصبحت هذه المجموعة اكثر تحصينا بفعل انتشارها في اماكن سكنية وضمن «بيئة حاضنة»، والدولة رضخت لمطالب ارهابيين ملاحقين من العدالة تحت ذريعة ان هذا الحل يعتبر افضل الممكن في هذا التوقيت الحرج الذي تمر فيه البلاد، دون ان تحصل على اي ضمانة بتحييد طرابلس عن الصدام المسلح، كما ان احدا لم يعط الجيش اي ضمانة بوقف الهجمات المسلحة على مواقعه في المدينة. عمليا باتت مجموعة المولوي ـ منصور وغيرها من المجموعات تمتلك مساحة اوسع للتحرك في المدينة بعد خروجها من «مربعها الامني» الذي كان محاصرا من قبل الجيش، واليوم بات خطر هذه المجموعة اكبر وباستطاعتها ان تخوض حرب استزاف طويلة مع المؤسسة العسكرية، وتتوارى عن الانظار.
في هذا الوقت لن تتوقف المجموعات المسلحة عن محاولاتها لاختراق الحدود اللبنانية، ولكن استمرار الفشل يعرضها لاستنزاف كبير في العديد والعتاد، واذا لم تنجح قريبا في تحقيق اختراقات ذات قيمة، فان ساحة القتال الرئيسية ستكون بحسب اوساط عسكرية متخصصة، بلدة عسال الورد في منطقة القلمون، ووفقا للمعلومات عزز الجيش السوري وحزب الله مواقعهما الدفاعية حول البلدة الواقعة على مساحة 150 كيلومتراً وعلى ارتفاع 1850 متراً فوق سطح البحر، وهي تبعد عن العاصمة السورية 55 كيلومتراً، يحدها من الشرق سهل رنكوس ومن الغرب جرد بريتال والطفيل ومن الشمال حوش عرب والجبة ومن الجنوب سهل رنكوس، وهذا ما يجعلها نقطة التقاء وتقاطع لمواقع شديدة الاهمية في تلك المنطقة.
والهدف الرئيسي لتلك المجموعات تأمين خط امداد بين الغوطة الغربية وجرد القلمون، وتأمين خط امداد من درعا لتأمين كل خطوط الامداد على طول الشريط الممتد من القلمون الى الغوطة ودرعا والقنيطرة، وذلك بهدف قطع الطريق الدولية بين دمشق وحمص، والتأثير على إمدادات الجيش السوري في المنطقة الوسطى والشمالية، وشل الحركة بين الشمال والجنوب، فهذه المنطقة تربط دمشق ومعاقل القوات السورية في الساحل.
اما الاستثمار السعودي في ملف العسكريين المخطوفين، تقول الاوساط المقربة من 8 آذار، فينتظر تبلور شكل تعاون الاستخبارات القطرية مع نظيرتها السعودية للتنسيق في كيفية استغلال هذه القضية في الضغط على الساحة اللبنانية، وهذا يتوقف على حجم نجاح الزيارة الاخيرة لامير قطر الشيخ تميم الى جدة والذي حمل معه «خارطة طريق» لرفع مستوى التنسيق القطري ـ السعودي- التركي في الملف السوري، وعزل هذه «الجبهة» عن القضايا الخلافية الاخرى. تبقى نقطة أخرى تتعلق «بالثمن» الذي تبتغيه الدوحة وتركيا مقابل السماح للرياض في الدخول على خط استغلال قضية المخطوفين ضمن الاوراق الرابحة في لبنان.
هذه السيناريوهات والمخاطر تشكل مجموعة «قنابل موقوتة» تضع الاستقرار السياسي الهش على «كف عفريت»، خصوصا ان ثمة مجموعة سياسيين في تيار المستقبل وعلى ضفافه، ترى ان الفترة «الذهبية» قد عادت من جديد لمحاولة استثمار تطرفها في خدمة «أجندة» سعودية باتت اكثر «شراسة» في العداء مع ايران وحلفائها.
تعميم المركزي يخفض سعر صرف الدولار؟
بعد أن اصدر مصرف لبنان تعميماً جديداً يلزم المصارف بالحصول على موافقة مسبقة منه قبل فتح اعتمادات او دفع فواتير...