لم تعد الاسئلة مجدية حول اسباب فرار افراد الجيش العراقي من مواجهة «داعش»؟ ولم تعد الاسئلة مرتبطة بالحديث عن خيانة ارتُكِبت في الموصل، وعن هرب القادة من الميدان، لتدخل «داعش» وسط هدوء مريب لم تعكره صفوه «رصاصة»؟ الاسئلة التي بدأت ترتسم معالمها اكثر خطورة وتتعلق بمعرفة اسباب إخلاء عناصر الجيش لكل نقطة في مناطق السنّة لمصلحة «داعش»؟ والاهم في كل ذلك من يحرِّك «داعش» ومن يموّلها بعد ان تهاوت «البروباغندا» الاعلامية التي تحدثت سابقا عن «عمالة» «داعش» لإيران وسوريا؟ ومَنْ يمنح هذه التنظيم ضمانات بألاّ يتعرض لحرب جويّة؟ فهل بدأت ترسيم خريطة «دولة» تحت عنوان مذهبي على انقاض خريطتي سوريا والعراق؟ الا يصب كل هذا في خدمة» مخطط خبيث» يكمن وراء تمكين السنّة بـ »دولة داعش«، تمهيداً لانفصال الشيعة في مناطقهم، والأكراد في كردستانهم، ودويلة سنّية تقتطع ايضاً من سوريا الحسكة والرقة ودير الزور، في مقابل «سوريا علوية»، وامام كل هذه السيناريوهات المرعبة هل سيبقى لبنان بمنأى خطورة هذا السيناريو الخطير؟.
اوساط ديبلوماسية في بيروت تؤكد ان مكمن الخطورة حاليا، يكمن في قيام «ضخ» اعلامي – سياسي مبرمج من قبل قيادات وشخصيات ووسائل اعلامية ممولة من دول خليجية تعمل على تقديم «وجه حسن» للقاعدة بنسختها «الداعشية»، وتقديم الفعل على انه رد فعل سني على «مظالم الشيعة»، وللدلالة على ذلك يتم التركيز على ان الهجوم الذي قادته «داعش» انطلق من قرى عشائرية سنية جنوب الموصل وهي الحديديين والبدران حيث تلتقي هذه القرى بمنطقة الجزيرة المتصلة جغرافيا بالانبار وهو ما أمن للمهاجمين طريق امداد ودعم، وثمة اسئلة خبيثة تطرح من نوع كيف يستطيع تنظيم معزول ان يسقط مدينة كبرى بالعراق ويسيطر خلال يوم على عشرات القرى والبلدات السنية في مساحة تتجاوز نصف مساحة العراق؟ ولماذا لا ينجح هذا التنظيم بعملياته الا في المناطق السنية حصرا دون المناطق الكردية والشيعية؟
واللافت برأي تلك الاوساط، ان «القاعدة» التي حوربت من قبل «صحوات» السنة قبل سنوات استفادت من هذه التجربة، فلم تقترف ممارسات متطرفة حتى الآن في المدن التي استولت عليها، والامر المستجد هو التنسيق مع كل الفصائل التي سبق وان اقتتلت معها، فهي تتشارك في القتال مع فصائل تختلف معها فكريا، فهي تتحالف مع عدد من الفصائل الاسلامية المعارضة مثل جيش المجاهدين وهو تنظيم سلفي، وجيش رجال الطريقة النقشبندية وهو تنظيم صوفي يقوده عزت ابراهيم الدوري نائب الرئيس العراقي السابق وينشط شمال العراق وله اتباع في المناطق الكردية، وانصار السنة وهو تنظيم جهادي قديم في العراق، كما يشارك ضباط سابقون في الجيش العراقي المنحل هذه الفصائل في المواجهات خصوصا في الموصل التي تشكل معقل نخبة الضباط في المؤسسة العسكرية في عهد صدام حسين. وفي الخلاصة يتم تقديم «غزوة» داعش على انها خليط من الروابط العشائرية والعداء لمشترك للسلطة الشيعية في العراق، وما يقال همسا وعلنا، ان السنة موحدين لاول مرة بتعدد اطيافهم القومية العلمانية والاسلامية الجهادية والصوفية المعتدلة لمواجهة الشيعة في اطار مخطط لاقامة دولة مستقلة مترامية الاطراف جغرافيا ضمن البيئة الحاضنة اولا، ولذلك تجنب «التنظيم» في بداية «الغزوة» الاصطدام بالاحياء والقرى غير السنية في الموصل، فمثلا احياء الحمدانية والقوش وبعشيقة وتل كيف ظلت تحت سيطرة القوات الكردية وهي مناطق يسكنها مسيحيون واكراد، وكذلك تل عفر التي يسكنها اكراد وشيعة تجنبها المسلحون الاسلاميون كونها تشكل بيئة سكانية واجتماعية رافضة لهم على عكس المناطق والاحياء السنية.
هذه الوقائع الخطيرة لا يتعامل معها محور المقاومة بخفة تضيف الاوساط، فثمة قرار واضح بمنع نجاح هذا المشروع التقسيمي الذي سيدخل المنطقة في اتون حرب مذهبية لن تنتهي ابدا، والساعات القليلة المقبلة ستكون حاسمة لجهة تحديد معالم المواجهة وادواتها، فالاتصالات الاقليمية والدولية على «قدم وساق» لاستمزاج رأي كل القوى المؤثرة في المنطقة وخارجها، ولن تقبل طهران بشكل خاص «انصاف اجابات» على كيفية مواجهة هذا التمدد «الخبيث» في الجسد العراقي وفي المنطقة لان عمقها الاستراتيجي على المحك هذه المرة، وما لم تتخذ القوى المعنية قرارات مشتركة وحاسمة للقيام بتحرك سريع في اتجاه احتواء هذه الاحداث، بعيدا عن المحاولات المكشوفة للابتزاز ومحاولة «لي الذراع» الايرانية، فان خطوات عملية ستتخذ حتى لو كانت آحادية الجانب، لان طهران لن تقبل بان تربح في سوريا وتخسر العراق، فهذه المعادلة غير قابلة للحياة لان الانهيار في العراق سيؤدي الى خسارتها كل «اوراقها» السورية، وأي محاولة لخلق امر واقع تقسيمي في المنطقة لن يكون مقبولا، ولن تقبل طهران ان تدفع الثمن وحيدة هذه المرة وستكون الخسائر مشتركة، ولن تبقى الدول الداعمة لهذا الحراك بعيدة عن «النيران» التي ستحرق «الاخضر واليابس».
اما الساحة اللبنانية، فلا ترى تلك الاوساط انها محصنة كفاية لتكون بعيدة عن الارتدادات السلبية للاحداث العراقية، فهذا الحدث قد يدفع الى تاجيل أي بحث جدي في الاستحقاق الرئاسي، «المجمد» اصلا، فالجبهة الجديدة المفتوحة لن تدفع اي من اطراف النزاع الى تقديم تنازلات مجانية على الساحة اللبنانية، وهذا ما سيزيد الامور تعقيدا، وكما كان للبنان نصيب في ارتدادات «الزلزال» السوري فهو مرشح ايضا للتأثر بهزات ارتدادية عراقية لن تكون حكومة «المصلحة» الوطنية قادرة على منعها، خصوصا اذا ما فشلت «المصيبة» في توحيد الجهود الاقليمية للتعامل مع هذه التطورات، والامر مرتبط بكيفية تعامل الرياض مع الحدث العراقي، لان أي محاولة سعودية للاستفادة من الاحداث في العراق للضغط على ايران، ومحاولة توظيف تلك الاحداث في بعدها المذهبي لتحصيل مكاسب، سترتد سلبا على الاتفاق السياسي «الهش» في لبنان، وستصبح «المظلة السياسية» التي ساهمت بشكل كبير في خفض التوترات الامنية مهددة الى حد كبير، لان لبنان ليس «جزيرة» معزولة.
وفي هذا السياق يبقى عامل الاختراقات الامنية هو الاكثر اثارة للقلق بوجود امتدادات لتلك المجموعات المتطرفة في لبنان، وتذكر تلك الاوساط بان عناصر لبنانية سبق ان نفذت عمليات انتحارية على الساحة اللبنانية، ولذلك ورغم العمل الامني الكبير الذي نفذ حتى الان، تبقى امكانية استغلال الثغرات وارد من قبل تلك التنظيمات المتطرفة او اجهزة الاستخبارات التي تحركها للاستفادة من زخم التقدم الذي يحرزه «الاخوة المجاهدين» في بلاد الرافدين، بهدف توجيه «رسائل» دموية لحزب الله او للجيش اللبناني المصنف في خانة الاعداء، وذلك في سياق ما تعتبره هذه المجموعات فرصة لنقل المعركة الى ارض العدو لارباكه وابعاده عن مسرح العمليات الرئيسي في العراق وسوريا. ويبقى السؤال ما هي الضمانة في القدرة على احتواء ردود الفعل اذا ما عادت «حليمة» التفجيرات الى «عادتها القديمة» في ظل هذا الارتفاع الهائل في الاحتقان المذهبي في المنطقة؟
وامام هذه المخاطر المحدقة، تبدو الايام القليلة المقبلة مفصلية للاجابة على السؤال الجوهري، الى اين؟ فهل يدفع «داعش» ثمن توسعه الجغرافي ؟ ام ينجح في فرض الوقائع الجغرافية والمذهبية؟ هل يتكون تحالف اقليمي ودولي لوأد «الدولة الاسلامية» المتطرفة الهادفة لتقسيم المنطقة مذهبيا؟ اذا كان الجواب نعم سيتجنب الجميع تجرع «الكأس المرة»، اما اذا حصل العكس، فسوف تأخذ الامور منحى غير مسبوق من التصعيد في مواجهة «آحادية»مفتوحة غير مسبوقة في ادواتها واتساعها الجغرافي، وعندها سيكون السؤال حول تأثر لبنان في تلك الاحداث «تفصيلا» صغيرا لن يتكلف احد عناء الاجابة عليه.؟
تعميم المركزي يخفض سعر صرف الدولار؟
بعد أن اصدر مصرف لبنان تعميماً جديداً يلزم المصارف بالحصول على موافقة مسبقة منه قبل فتح اعتمادات او دفع فواتير...