لا تزال إيران وإسرائيل تمثلان- من وجهة نظر كثير من العرب- قوى الشر في منطقة الشرق الأوسط، فهما المسؤولتان عن إجهاض أي مشروع عربي نهضوي خلال العقود الماضية، بل إنّ كثيرا من الحكومات العربية ترى في إيران خطرًا أكبر من إسرائيل، فهي مستعدة للتعاون مع الأخيرة أكثر من الأولى، ويتزايد هذا الاعتقاد مع كل أزمة تمر بها المنطقة، فالكل يتهم إيران بأن لديها مشروعا توسعيا في المنطقة تبلورت معالمه في لبنان وسوريا والعراق واليمن حالياً، ولذلك ينادي كثير من الكتاب بأهمية اليقظة من أجل عرقلة كل هذه المساعي التوسعيّة، وبعيدًا عن هذه التحذيرات، وهذه الشعور المتنامي في المنطقة ضد إيران، لابد أن نعترف أنّ إيران نجحت في أن تصبح دولة لها وزنها الإقليمي رغم حرب الثماني سنوات مع العراق، ورغم الحصار والعقوبات الغربية؟ في الوقت الذي لا تزال كثير من الدول العربية تعيش دوامة لا تتيح فرصة للتأسيس لمستقبل أفضل، وفي الوقت الذي لا تزال فيه دول الخليج تمول في كل عقد حربا جديدة من الحروب الأمريكية الغربية، تواصل إيران تدعيم مقومات قوتها التي تجعلنا نحترمها، وهناك أسباب كثيرة تقف وراء هذا الاحترام لهذا الدولة الجارة تكمن أهمها في الآتي:
· نحترم إيران لأنّها حاولت أن يكون لها هيبة في المنطقة، يحترمها أصدقاؤها وأعداؤها، وأنها رغم كل ما يقال من تصريحات هنا وهناك ظلت محركا أساسيا للأحداث في المنطقة، فالسياسة الدوليّة لا تقيم وزناً إلا للأقوياء الذين يفرضون على الآخرين احترامهم وعدم الاعتداء على مقوماتها، ونبع هذا الشعور من الإرث الحضاري الكبير الذي تستند عليه هذه الدولة سواء الإسلامي منه أو الفارسي، وكان يجب على كثيرين أن يفهموا أنهم يتعاملون مع حضارة كبيرة، وهو نفس العامل الذي يجعل من تركيا أيضا دولة لها ثقل كبير في المنطقة والعالم، في حين لم تنجح دولة عربية واحدة في أن يكون لها هذا الثقل.. ربما لأننا لم ننجح في المنطقة العربية في تفعيل الكيان الذي يجمعنا وهو جامعة الدول العربية من أجل التعامل بشكل موحد مع هذه القوى الإقليمية، نحترم إيران لأنّها كانت تدرك أن تقدمها مرتبط بإيجاد نظام سياسي مستقر أساسه تداول السلطة، مما أتاح حيوية كبيرة لنظامها السياسي، ووطد دعائم للديمقراطية والانتخابات، وأتاح الفرصة لعدة توجهات أن تقود البلد بدلاً من أن تقاد من خلال توجه واحد لا يساعد على تحقيق التقدم المنشود، وفي الوقت الذي تعاقب على رئاسة إيران سبعة رؤساء خلال ثلاثة عقود، لم تتمكن دول عربية جمهورية تجري انتخابات رئاسية من تداول السلطة إلا عن طريقين إما وفاة الرئيس الأب أو الثورة عليه كما جرى خلال فترة الربيع العربي، وساعد إرساء هذا النظام على استقرار إيران في الوقت الذي تعم فوضى كثير من الدول العربية ولا تبدو بارقة أمل في استقرارها على المدى القريب، مما يجعلنا نتساءل لماذا نجحت إيران في تحقيق الاستقرار في الوقت الذي فشلت الدول العربية في تحقيقه؟ ربما الإجابة الواقعية عن هذا السؤال ستقود بعض الدول إلى الالتفات إلى الداخل لأنّ إعادة بناء المجتمع والنظام السياسي وتجديده هما السبيل لتحقيق التنمية والاستقرار على المدى البعيد أمّا المراهنة على تقلب الأوضاع الإقليمية لتحقيق الاستقرار فله مخاطره التي لا يمكن تجاهلها.
· نحترم إيران لأنّها أدركت أن امتلاك السلاح النووي يمثل أولوية كبرى للحفاظ على أمنها واستقرارها من التدخلات الغربية، ولذا لم تكتف بتقوية وتعزيز عتادها العسكري فقط إنما عملت منذ البداية على الاستثمار الأمثل لعائدات النفط في بناء هذا البرنامج المهم، في الوقت الذي لم يفهم الجيران العرب ذلك، ومضوا في تكديس السلاح الذي ربما بعضهم غير قادر على استخدامه، حيث يشير تقرير”المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية” إلى أنّ السعودية تفوّقت على بريطانيا لتصبح رابع أكبر دولة في العالم إنفاقًا على السلاح في عام 2013م، حيث أنفقت السعودية 59.6 مليار دولار متقدمة على بريطانيا التي أنفقت 57 مليار دولار أو فرنسا التي أنفقت 52.4 مليار دولار، وبالتالي نجحت إيران خلال هذه العقود في بناء برنامج متقدم جعلها قادرة على التفاهم مع الغرب من موضع قوة في الوقت الذي كدست دول الجوار كميّات من السلاح لا يمكن أن تستخدم أو أن تولد عامل قوة يمكن أن يعتمد عليه.
· نحترم إيران لأنّها نجحت في الاستفادة من الثغرات الموجودة في الدول المجاورة، وهذا سياسة متبعة في المنطقة ليس من قبل إيران فقط إنّما من قبل دول عربية تجاه دول عربيّة أخرى كما هو الحال في تدخل بعض دول الخليج في مصر من أجل إيجاد نظام متصالح معها ومصالحها، وبالتالي إن تدخلت إيران في خلق نفوذ في بعض الدول العربية كما في وضع اليمن فهذا لأنّ جيران اليمن لم يساعدوه على تحقيق الاستقرار والتنمية بل إنّهم عملوا على تكريس حالة التأخر والتشرذم والتأخر التي يعاني منها، فلا يجب اليوم أن نحمل وزر كل هذا لإيران أو أن نتهمها بتقويض مشروع بناء الدولة في اليمن، ويبدو أنّ إيران تعمل على تقوية حلفائها في المنطقة … وزيادة مقومات قوتهم في الوقت الذي يعمل الآخرون على إضعاف حلفائهم…
· نحترم إيران لأنّها صنعت من مقوماتها المتعددة دولة لها هيبتها، ففضلا عن وزنها الحضاري، وقوتها الاقتصادية المتمثلة في البترول، وقوتها العسكرية، وقوتها البشرية حيث تكاد تتساوى مع مصر في صدراتهما لأكبر الدول من حيث عدد السكان في الشرق الأوسط، ينظر لإيران على أنّها مرجعية للعالم الشيعي الذي ينتشر بنسب متباينة على رقعة جغرافية كبيرة تمتد لتشمل عدة دول عربية، فتقرير الحرية الدينية في العالم الصادر عن الخارجية الأمريكية في عام 2006 يشير إلى أن الشيعية يشكلون 60 -65% من سكان العراق، و70% من سكان البحرين، و30% من سكان الكويت، و700 ألف في المملكة العربية السعودية، و10% من سكان قطر، 15% من سكان الإمارات (85% منهم غير مواطنين)، 5% من سكان عمان، 30% من سكان اليمن، 13% من سكان سوريا، 25-35% من سكان لبنان، وأقل من 1% من سكان مصر، ربما طرأ بعض التغيير بالزيادة أو النقصان على هذه النسب ولكن ما يهم هنا وهو أن هناك نسب تشير إلى حضور إيران في أكثر من بلد عربي بحكم مرجعيتها الدينية، وهذا أيضًا يمثل أحد عوامل القوة لها والتي لا يمكن تجاهلها كما لا يمكن تجاهل تقديم المملكة العربية السعودية نفسها كمرجعية للعالم السني.
إن كنا ننظر إلى إيران كعدو أو ننظر إليها كصديق، لابد أن نحترم قدرتها على التأقلم مع مختلف المتغيرات الإقليمية بما يحقق لها ما تريد، فهي دولة تعرف ما تريد، في وقت لا تعرف فيه الدول العربية ما تريد، فإيران ويؤكد الكاتب الكويتي ناصر العبدلي في مقال نشرته جريدة القدس العربي في 23 مارس 2014 أنّ إيران“لم تطرح نفسها يومًا ما على أنّها الند الإقليمي للولايات المتحدة، أو حتى الدول الغربية لكنّها تريد أن تحظى باحترام تلك الدول لخياراتها الداخلية وقدراتها وحجمها على صعيد الإقليم، وتلك حقيقة تهربت منها تلك الدول ورفضت الاعتراف بها، رغم أنّ إيران لم تقفز بدورها على الحقائق التاريخية التي تدير المشهد السياسي الدولي
د . سيف المعمري