باسل
بديع الزّين
“ينتهي
العلم حيث يبتدئ الجهل”
ميخائيل
نعيمه
قاعة المحكمة (إحدى المحاكم الخياليّة الواقعيّة)
يدخل القضاة إلى القاعة، يتخذون مكانهم المخصّص لكلّ
منهم، يغطّ المستشاران في نوم عميق، في حين تبدو على القاضي الّذي يتوسّط زميليه علامات
النّعاس والارتباك.
القاضي: شو لازم أعمل هلأ (يظهر الميكرو بوضوح لكأنّه
سماعة يتلقّى من خلالها المعلومات)، ماشي، ماشي. عيط لشو اسمو، (ينتفض في مكانه)
نادِ على المتهم الأول.
المُنادي: حضرة القاضي، اليوم قاعة الجامعة العربية ملياني
بس لتسمع حكمك بقضية البهلول، صرت مأجل فيا شي تسعين مرة.
القاضي: يا خيي مسؤوليات، شو بدي لحق للحق، بحر ولاّ
جبل، ولا مطاعم، عفكرة فتح مطعم جديد براس القلعة.
المُنادي: حضرة القاضي شو القصة انت بقاعة المحكمة.
القاضي: ايه ايه صح نسيت.
المُنادي: المتهم بهلول البهلول
(يتقدّم المتهم بهدوء بادٍ ويمثل بين يدي القاضي)
القاضي: اسمك وسنك وشو بتشتغل
البهلول: بهلول البهلول، العمر 31 سنة، المهنة كاتب.
القاضي: (للمُنادي) يهههه يعني متلك.
(يأتيه صوت عبر السّماعة فيسعل) احم احم، كاتب شو، كاتب
كتابك مثلا.
البهلول: يا ريت، بس بهالبلاد ما حدا بيخليك تكتب كتابك.
(ويشير إلى كتاب في يده)
القاضي: ليه منعوا الزواج؟
(يأتيه صوت عبر السماعة) احم احم، المهم، شو تهمك.
بهلول: حضرة القاضي انت بدك تقلي شو تهمتي
القاضي: ايه صح صح.
انت متهم، (يُصيخ السمع) أوف كل هول انت عاملون
البهلول: ما فهمت
القاضي: انت متهم بالتّلاعب بعقول الملايين، وبالتالي
تشويه صورة الأمة بشكل ارتكاسي ينعكس سلبًا على الوضع الإقليمي بشكل فاضح يؤسس
لمرحلة مسلوبة الرؤى ومقطوعة الأوصال ومستبدة الأحكام، و شو هيي هيدي؟ ايه ت ت ت
تدوير الزوايا بما يتناسب ومصلحتك.
البهلول: هلأ الشعب طلع معو هيدا الحكي، ما نص شبابنا
اميين، والباقي عالطرقات عم بيدور عشغل.
القاضي: هيدا تحريض، انت بقاعة محكمة. المهم خلينا نسمع
شهادة الشهود وبعدين لكل حادث حديث.
المُنادي: الشّاهد الأوّل: ضاوي المطفّي.
الشّاهد 1: حاضر.
القاضي: قل والله العظيم أقول الحق ولا شيء غير الحق.
الشاهد 1: قلتا.
القاضي: أوكي مشي الحال. شو بتعرف عن البهلول.
الشاهد: يا خييي
القاضي: احم احم
الشاهد: حضرة القاضي، ما معقول الي عم بيصير، تخيّل
البهلول بدو يفتح مكاتب عامة بكل ضيعة، وبدو ينشر الوعي والثقافة، وقال شو، بلا ما
منعمل بكل ضيعة حبس، منعمر مدرسة، دخلك إذا صاروا كل شباب الضيعة معلمين ومثقفين،
من وين من جيب بلطجية، شو منشتري المشاكل مشترى، هلأ ما ملحقين كل يوم مشكل، وضرب
سكاكين، وشرب وسكر، والمخافر ما ملحقا، صرنا موظفين ستين رجال امن جداد، شو فكرو
ينشر البطالة؟ شعب من دون شغب ومشاكل كيف فيك تضبطو مصيبة، شعب مثقف يعني حرية
وفكر وهالحكي الفاضي، أفكار هدامة حضرة القاضي، أفكار هدامة.
القاضي: فكرو يقعدنا بالبيت لا شغلة ولا عملة، شو يا
بهلول صح الي عم بيحكي ضاوي الطافي؟
البهلول: صح، أكيد صح، بس تخيّل حضرة القاضي كل مواطن
يصير خفير، وبدل السكينة نحمل كتاب، وبدل السجن نعمر مكتبة.
القاضي: (مقاطعًا) يعني معترف.
البهلول: اذا الثقافة تهمة بعترف أنا أكبر مجرم.
القاضي: خير، خييييير. نادِ على المتهم الثاني.
المُنادي: الشاهد الثاني: زكية بلا مخ.
الشاهد الثاني: حاضرة.
القاضي: احلفي… خلص صادقة، المهم شو بتعرفي عن
البهلول.
الشاهد2: أنا مديرة مدرسة المعارف، والبهلول كل أسبوع
بيعطي حصة مطالعة للصفوف الثانوية، حضرة القاضي صرنا قايلين ميت مرة بلا هالمواد،
شو يعني موسيقى ورياضة ورسم ومطالعة، يا خيي يكنسوا الولاد الملعب بالهالوقت بيكون
أفضل.
القاضي: النظافة من الإيمان، مش أحسن من شوية فنون توسخ
العقول.
الشاهد 2: المصيبة مش هون.
القاضي: بعد في اكتر.
الشاهد 2: ياهههههه قد ما بدك، قال شو البرامج الدراسية
ما معاجبتو، قال الولاد عم بينتعوا شنطة طويلة عريضة، تعا نمشي الأي باد ونعلم
الولاد التقنيات الحديثة، وما لازم نل نلق..
بهلول: لا ينبغي أن يكون التعليم تلقينًا أيتها المديرة
المحترمة.
الشاهد 2: سامع، سامع حضرة القاضي، قال شو لازم المدير
يدرس الولاد تاريخ بلادون مفكرني ابن خلدون، ولازم ينقدو الشعر مش يحفظوا صمّ،
والرياضيات تصير متعة، والجغرافيا سفر فكري، والفيزيا معرفة باصل الكون، وغيرو
وغيرو. مين وين منجبلون علما ما الاساتذة الي عنا انجأ يفكو الحرف.
القاضي: هيدا حكي خطير. شو رأيك يا بهلول أفندي.
بهلول: الله يرحم ميخايل نعيمه كان يقول:”الناس على
سفر، والمسافر الحكيم من أحسن اختيار رفاق الطريق”، ليه في أشرف من الفكر
الحرّ رفيق حكيم، وصديق حميم؟
القاضي: مين مخايل نعيمه؟
بهلول: ما سامع بميخايل نعيمه؟ وبكرم على درب.
القاضي: كرم عدرب مطعم لبناني أكلو كتير طيب، دايق
البطاطا المشوية عندو؟ (ينتبه) احم احم.
بهلول: ميخايل نعيمه من مؤسسي الرابطة القلمية التي تدعو
إلى الفكر الحر والإبداع العظيم.
القاضي: يعني مخرِّب؟
بهلول: مخرِّب يا حضرة القاضي، مخرّب.
القاضي: أنا زهقت، بعد في شي شاهد.
المُنادي: بعد في شاهد.
القاضي: بس القضية صارت واضحة. يلا منسمعو
المُنادي: الشاهد الثالث، حنكة بلا فايدة
الشاهد الثالث: حاضرة.
القاضي: خبرينا (يتثاءب) عن البهلول
الشاهد 3: من كل عقلو بدو يعمل مهرجان مسرح بالضيعة، من
غير شر بدو يفسد ولادنا، قال شو مسرح اجتماعي، ولادنا يمثلو؟ ليك هالفضيحة، امبارح
بقلو لابني ولعلي شوية فحم بيقلي بس تخلص هالصفحة، وابني التاني قال شو عم بيحضر
برنامج علمي عن أصل الكون، ليك هالحكي بلا ما يسمع ميشال حايك، والله العظيم هزلت،
هزلت.
القاضي: عندك شي بعد تقولو يا بهلول.
بهلول: (يتوجّه إلى الناس) هيدا الواقع أهالينا الكرام،
صدقًا ما عم منمثل، في ناس غير الناس، ومجتمعات غير المجتمعات، عم بيتلونو بجهل،
ويكبرو عالوهم، حصنوا بيوتكن وما تخلوا الريح الفاسدة تفوت من شبابيكن، خلوا
ولادكن يكونوا هني بكره، وهني الصح بزمن كل المقاييس في عم ببتكسر، والغلط عم
بيصير صح والصح غلط.
القاضي: هذا تحريض في قاعة المحكمة، وتنطبق عليه جرم
الإعدام.
بهلول: إعدام إعدام، ما انتو عم بتعدمو جيل كامل، شو
يعني شعب عايش بس تياكل ويشرب وينام، شو يعني جيل عم بيحفظ لأنو ما عم بيفهم، أو
لأنو ممنوع يفهم. كل الي بقولوا يا حضرة القاضي، اعدموا الناس، اعدموا الأحرار، بس
ما رح فيكون تعدموا الفكرة الحرة عارف ليه لأنو الأفكار الحرة بتطير ما بتمشي
الأفكار الحرة بتطير ما بتمشي.
الرّاوي: قيل أنّ تشييع البهلول كان مثارًا للسخرية، إذ
تمنّع أبواه وأخوته عن حضور الجنّاز، وحدهم كوكبة من الشباب الّذي تتراوح أعمارهم
بين السّتة عشر عامًا والثمانية عشر عامًا ساروا في جنازته، وكانوا من البقية
الصالحة من تلامذته.