لم تكن الخلافات حول المطامر على طاولة مجلس الوزراء سوى القشة التي تخفي وراءها الوقت الضائع الذي تعيشه القوى السياسية في ظل الفراغ الرئاسي وفي ظل تحويل كل وزير إلى مالك لحق الإعتراض والنقض والفيتو وبالتالي امتلك كل وزير الثلث المعطل المنشود واستطاعت الحنكة اللبنانية أن تعبئ الفراغ بأربعة وعشرين رئيساً بدل انتخاب رئيس واحد من الطائفة المارونية. ومن خلال هذا الواقع أصبح الكل في خدمة الكل عبر التسهيل والتمرير أو التغاضي والا فإن التعطيل ينتظر أي سوء تفاهم أو أي رفض لأي وزير يعطل القرارات بالفيتو الممنوح له. وهكذا لم يلحظ «اتفاق الطائف» أي تدبير دستوري اذا حصل الفراغ. واذا كان المشترع قد أهمل تداعيات الفراغ فإن السياسيين مجتمعين استنبطوا طريقة جديدة لإدارة شؤون البلاد باعتبار أن الوزير في حكومة الرئيس سلام هو وزير ملك.
ومن خلال هذا الاتفاق الجماعي استمرت حكومة سلام بإدارة الشؤون وإصدار القرارات على الناعم من دون أية ضجة أو اعتراض. وعندما يحتدم أي نقاش على طاولة مجلس الوزراء المنعقد عندما تدعو الحاجة في السراي الحكومية فقط لا غير لأن بعبدا اقفلت أبوابها، فإن الرئيس سلام يرفع الجلسة على أن يتفق الوزراء – الرؤساء لاحقاً. لكن مؤخراً وقع المحظور ولم ينجح التأجيل المتكرر من تسوية الخلافات بين «حزب الكتائب» والحزب التقدمي الاشتراكي». كيف ولماذا حصل الاشتباك السياسي بين الفريقين؟ سؤال طرح داخل الوسط السياسي الذي فوجئ بأن يصل الاشتباك إلى حدود أن يفرط الوضع الحكومي برمته.
مصادر مسيحية مطلعة تؤكد بأن الوضع تحت السيطرة وان الكتائب التي استعادت مجدها الوزاري التاريخي لن تفرط به خصوصاً أن الفرصة لن تلوح وتتكرر مرة ثانية. وفي المقابل فإن الزعيم الاشتراكي الذي لم يترك أي منفذ تدخل منه الرياح إلا وذهب شخصياً لسده وبالتالي فإن زيارة الصيفي ستكون عليه أسهل بكثير من الزيارات الشاقة التي تكبدها كرمى عيون السلم الأهلي. وتؤكد الأوساط المطلعة أن الإثنين «الكتائب» و«الاشتراكي» يلعبان في الوقت الضائع. وهما يخوضان معركة إثبات الوجود بعدما جردت معراب والرابية والحوار المنتظر بينهما، «حزب الكتائب» من التصنيف واعتباره من الفئة الثانية على صعيد الحضور الجماهيري. خصوصاً أن الرابية ومعراب يتصرفان كأن حوارهما هو حوار مسيحي مسيحي وما على الحلفاء المسيحيين الآخرين سوى انتظار النتائج. هذا الأمر ترفضه الكتائب، لكنه ليس بيدها الحيلة سوى الذهاب إلى محاربة الفساد على طريقتها بإعتبار أن وقوفها في مواجهة التلزيمات المشبوهة في ملف النفايات سيعيد اليها التألق الجماهيري.
وفي المقابل، تضيف الأوساط، شعر وليد جنبلاط أن وظيفته كبيضة القبان التي درت عليه المكاسب السياسية الجمة، قد انتهى مفعولها وبأن المحتاجين إلى وسطيته باتوا حبايب يجتمعون أسبوعيا في عين التينة. ولم يكلف أحدا نفسه عناء دعوته للحضور ولو بصفة مراقب. هذه الوضعية دفعت بجنبلاط الى اطلاق يد وزيره للانطلاق بفتح مغاور الفساد وهي سياسة تجد لدى الجمهور التأييد الواسع. ومن خلال هذا الحراك الذي يقوده وزير الصحة وائل أبو فاعور، استطاع الزعيم الدرزي العودة إلى الطاولة يقارع القوى السياسية التي تجاهلته علما أن معركة أبو فاعور سوف تصيب بشظاياها هذه القوى ولو بطريقة غير مباشرة.
أما على صعيد الخلاف الكتائبي الاشتراكي فإن المصادر الوزارية داخل كل فريق تتكفل بشرح الأسباب الحقيقية لهذا الخلاف. الاشتراكيون وفق مصادر مقربة يعتبرون أنهم كانوا ينتظرون الضجة من «التيار الوطني الحر» لكن ظهر أن الوزراء العونيين رحبوا بالمعالجة الشاملة للفساد المنتشر في الأطعمة التي يتناولها اللبنانيون والكتائب التي فشل وزيرها الان حكيم بالمواجهة مع ابو فاعور سارعت إلى نصب الكمائن في المشروع الاستراتيجي لمعالجة النفايات، فقررت استعمال حق النقض، حيث تناوب وزراؤها كل من ناحيته على الاتصال تارة بالرئيس امين الجميل وطورا بنجله الشيخ سامي وفي الحالتين عاد الكتائبيون إلى ممارسة سياسة التردد التي ينتهجونها في اكثر الاحيان بحرفية كاملة.
وفي المقابل تؤكد مصادر مقربة من الكتائب أن الحزب لن يوافق على مشروع فصل وجهز على قياس نجل أحد الوزراء الاشتراكيين السابقين والبالغة قيمته 130 مليون دولار. وتضيف هذه المصادر أن الحزب الذي وقف ضد قرار التعويض لآل فتوش للكسارات التي شوهت الطبيعة اللبنانية، لن يوافق على المشروع قبل أن يسلك الدروب الشرعية والقانونية. فالفساد المالي أشد ضراوة من الفساد الغذائي. وفي الحالتين لن يقبل سياسة «مرقلي ت مرقلك» المعتمدة حالياً في ملف النفايات.
تعميم المركزي يخفض سعر صرف الدولار؟
بعد أن اصدر مصرف لبنان تعميماً جديداً يلزم المصارف بالحصول على موافقة مسبقة منه قبل فتح اعتمادات او دفع فواتير...