برزت انقسامات عميقة حول من سيقود عملية إعادة الإعمار في غزة بين كل من “حماس” والسلطة الفلسطينية، مهدّدةً بإمكانية انهيار حكومة الوحدة الوطنية التي تشكّلت في وقتٍ سابق من هذا العام. ومع عدم وجود أي حل منظور، يُطرح السؤال حول ما إذا سيكون لهذه الانقسامات أي تأثير على علاقات “حزب الله” مع “حماس”، التي تأزمت منذ بدء الأزمة السورية، ولكنها عادت وتحسّنت خلال الحرب على غزة. يعتقد المحللون أن العلاقات بين “حزب الله” و”حماس” لن تعود إلى ما كانت عليه قبل اندلاع الصراع، ولكن “حزب الله“- وبالتالي إيران– سوف تسعى إلى زيادة نفوذها في قطاع غزة من خلال تمكين حلفائها هناك.
علاقات متأزمة
المتحدّث باسم حماس في بيروت، رفعت مورا، قال: إنّه على الرغم من الاختلافات التي برزت بين “حزب الله” و”حماس” حول الأزمة السورية، فإنّ الطرفين لا يزالان ينسقان ويتعاونان.
غير أنّ مصادر مقرّبة من منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، تحدّثت شرط عدم ذكر اسمها، شارحة أنّ الخلاف بين القيادات السياسة للمجموعتين كانت له تداعيات كبيرة في سوريا، وإلى حد ما في لبنان، وأنّه في حال وجود أي تعاون وتنسيق، كما قال مورا، فهو يقتصر على أفراد من الجناح العسكري لـ”حماس”.
“في سوريا، “حزب الله” وحماس يتقاتلان. وفي لبنان لم يعودا يعقدا اجتماعات سياسية عامة، بل يتواصلان بشأن مسائل أمنية محلية. وفي غزة، علاقات “حزب الله” بالمكتب السياسي لحماس ضعيفة جداً، ولكنه مستمر في دعمه لكتائب عزالدين القسام، حتى ولو بالكلام فقط”.
خلال الحرب على غزة، أصدر مسؤولون إيرانيون رفيعون بيانات عبروا فيها عن دعمهم الكبير للمقاومة في غزة. والأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصرالله اتصل شخصياً برئيس المكتب السياسي لـ”حماس”، خالد مشعل، ورئيس منظمة الجهاد الاسلامي رمضان شلّح، للتعبير عن تضامن حزبه معهم واستعداده لمساعدتهم. ورأى مراقبون في كل هذه الأحداث إمكانية عودة العلاقات السياسية [بين الطرفين] إلى طبيعتها، وإمكانية إحياء التحالف بين إيران، “حزب الله” و”حماس”. غير أن خبراء محليون لم يروا أن هذه الإمكانية واردة.
وفقاً للمحلل السياسي في صحيفة البلد علي الأمين، شهدت الحرب على غزة اندفاعة كبيرة في شعبية “حماس”، لا يمكن لـ”حزب الله” أن ينكرها، ولا لإيران التغاضي عنها. والدور المحدود الذي لعبته إيران في جهد منها للوصول إلى اتفاق هدنة بين القوى المتعاركة، والذي لم يكن ذا أهمية مقارنةً بأدواركل من قطر وتركيا والسعودية ومصر، إنّما يشير إلى أن العلاقات لا تزال ضعيفة بين الطرفين. ومشدداً على ذلك، أشار الأمين إلى المؤتمر الصحافي في دوحة قطر، الذي أعلن فيه رئيس المكتب السياسي في “حماس”، خالد مشعل انتصار المقاومة في غزة من دون أي يأتي على ذكر إيران.
هدنة مؤقتة
عقب الاعتداء الذي دام 51 يوماً على غزة وحماس والجهاد الإسلامي، توصلت السلطة الفلسطينية وإسرائيل إلى اتفاق ثنائي لوقف إطلاق النار، بوساطة من مصر، التي دعت إلى إنهاء الأعمال العسكرية وإلى السماح بدخول المساعدات الإنسانية ومواد البناء إلى غزة. ونصّ الاتفاق كذلك على أنّ السلطة الفلسطينية هي التي تقود عملية إعادة الإعمار، وهو شرط أساسي وضعه المانحون. أما باقي المسائل فسوف تحال على المزيد من المحادثات في وقتٍ لاحق من أيلول، عندما تعود إسرائيل والسلطة الفلسطينية إلى القاهرة لمناقشة تحقيق هدنة طويلة الأمد. ولكن في غضون ذلك تكون السلطة الفلسطينية قد بدأت في إصلاح الدمار في غزة.
ولكن الانقسامات بدأت بالظهور بين مختلف الفصائل الفلسطينية حول من سيقود جهود إعادة الإعمار. والغياب التام تقريباً لأي أعمال إعادة إعمار، والذي نتج عن هذه الانقسامات، يشير إلى انتكاسة كبيرة بالنسبة لحكومة الوحدة الوطنية وتزايد خطر احتمال استئناف القتال مع إسرائيل.
منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، برزت تقارير تحدّثت عن أنّ الانقسامات بين الأحزاب الفلسطينية تعمّقت بشكل كبير بحيث تؤشّر إلى احتمال تداعي حكومة الوحدة الوطنية. ووفقاً لصحيفة الحياة، يتهّم الرئيس محمود عباس “حماس” بعدم الالتزام ببنود حكومة الوحدة من حيث تشكيل حكومة ظل في غزة تضم مسؤولين أمنيين ووزاريين. ومن جهة أخرى، تقول “حماس” إنها تريد أن تشكّل مفوضية وطنية عليا من أجل العمل عن كثب مع حكومة الوحدة الوطنية التي ستشرف على عملية إعادة الإعمار. وتعتبر السلطة الفلسطينية هذا الطلب محاولة من قبل “حماس” للسيطرة على عملية إعادة الإعمار، وهو أمر لن تقبل به الدول المانحة، في حين أن “حماس” ترى في رفض السلطة الفلسطينية ذلك، محاولة لتهميش الدور المتصاعد والسلطة والوضع المتعّزز الذي تمتعت وتتمتع به “حماس” مباشرة عقب الحرب.
بدوره قال لقمان سليم، الناشط السياسي اللبناني ومدير جمعية “هيّا بنا” في الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل “حزب الله“، إن الانقسامات الفلسطينية هي وليدة الانقسامات اللبنانية الناتجة عن حرب تموز 2006. “حماس تريد أن تكون لديها دولتها الخاصة على حساب الدولة الموجودة أصلاً، أي السلطة الفلسطينية الشرعية”، كما قال. “الفارق الوحيد هو أن غزة، الدولة المصغرة مستقلة جغرافياً”. ونظراً إلى التجربة اللبنانية، يرى سليم أن ثمة أملاً ضئيلاً في أن يوافق أي من هذه الأحزاب على شروط الآخر. واعتبر أن كيفية تأثير هذه الانقسامات على علاقات “حزب الله“- “حماس”، هو من العوامل التي ستحدّد من سيكون صاحب الكلمة الفصل في غزة.
السيطرة على غزّة
ويوافق المحللون على أنّ غزة اليوم باتت مسرحاً لعدة لاعبين، كل واحد منهم لديه ولاء إلى قوة إقليمية معينة لديها مصالح سياسية مختلفة عن باقي القوى. فـ”حماس” حسبما يعتبرون، لمّا تعد تمثل كل غزة، وغزة لمّا تعد تتمثل بحماس وحدها. فقوى المقاومة مؤلفة من أربع مجموعات: “حماس”، و”الجهاد الاسلامي”، و”الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”، و”فتح”.
ومن جهتها، أصرّت “حماس” على إطار عمل يمكن من خلاله لقطر أن تساعد في عملية إعادة الإعمار. ولكن خشية تزايد النفوذ القطري، شجّعت مصر والسعودية على الدخول في العملية. وأواخر الشهر الماضي، نشرت الوسيلة الإعلامية المستقلة في مصر، “المصري اليوم”، تقريراً ذكرت فيه أنّ مصادر إسرائيلية قالت إنّ المملكة العربية السعودية ودول الخليج انقذت مفاوضات الهدنة عندما عبّرت عن رغبتها في المساهمة مالياً في إعادة الإعمار في غزة. حيث اشترطت السعودية استخدام المساعدات لتحسين حياة الفلسطينيين في غزة وليس للمساهمة في تمكين “حماس” وإعادة بناء أنفاقها وقدراتها العسكرية. وتم النظر إلى هذا التحرك بأنه يهدف إلى إضعاف نفوذ “حماس”، ولكن يُعتقد أن “حماس” نفسها منقسمة.
وفقاً لأحد المصادر الفلسطينية، لم يعد لدى إيران تأثير مباشر على القوى المتحاربة في غزة كافة، وتأثيرها يختلف بين مجموعة وأخرى. فداخل “حماس”، كما قال المصدر ثمة مجموعات تهدف إلى الحفاظ على تحالفها مع إيران و”حزب الله” – بينها كتائب عز الدين القسّام- وثمة مجموعات يهمّها قبل كل شيء ضمان مصالح قطر وتركيا لكي تضمن استمرار دعمهما لها. “قد يكون لإيران، وبالتالي لـ “حزب الله” بعض العلاقات مع بعض الفصائل ضمن “حماس”، ولكن مقولة إنّ “حزب الله” و”حماس” ينتميان إلى المحور نفسه انتهت”، كما قال.
ومن جهة أخرى، قال سليم إن “الجهاد الاسلامي” هو حالياً حليف أقرب بكثير إلى إيران من قرب حماس منها، وإنّ في حال حاول “حزب الله” وإيران زيادة نفوذهما في غزة، فسيكون ذلك على حساب “حماس”. “اليوم، الصراع على النفوذ مركّز حول غزة“، قال سليم. “وإيران سوف تراهن على أكثر من فريق داخل غزة، ولن تحصر رهاناتها كلها بـ”حماس””.
حتى لو لم يكن للـ”جهاد الاسلامي” ذلك النفوذ العظيم، يعتقد سليم أنه قادر على إعاقة سير المحادثات. فإيران، المدركة أن أي هدنة نهائية بين غزة وإسرائيل لم تحصل بعد، قادرة من خلال تأثيرها على “الجهاد الإسلامي“، على إعاقة المحادثات وتعميق الانقسام بين “حماس” والسلطة الفلسطينية.