ما نعلمه، ونحن لا نعلم إلا ما يـُعلن عنه أو يُسربُ عن طريق وسائل الإعلام، من وثائق وبرقيات يُلقى بها إلينا لنتلهى بها أو نتناهش بسببها. ما نعلمه أن عناصر من تنظيم القاعدة، غالبيتهم من أصول خليجية، إستولوا على طائرتين في أجواء الولايات المتحدة الأميركية ثم حوّلوا وجهتهما من أجل أن ترتطما ببرجين شهيرين في مدينة نيويورك، دون أن تتمكن أجهزة الأمن والجيوش الأميركية من تفادي الكارثة التي نجمت عن ذلك. فمات ما يقرب الثلاثة آلاف موظف مدني، لا ناقة لهم ولا جمل!
سارعت الإدارة الأميركية إلى إلقاء المسؤولية عن تلك الكارثة على أفغانستان، بحجة أن تنظيم القاعدة إستوطن في هذه البلاد. دمرت هذه الأخيرة وذاق الأفغان مرارة الثكل والجوع والتوهان في الأرض. يحسن التذكير بأن تنظيم القاعدة ضم الإسلاميين الذين إستهوتهم فتاوى وأموال سلاطين النفط الخليجيين فلبوا نداء الولايات المتحدة الأميركية لقتال «الملحدين» السوفيات في أفغانستان. كالعادة تنكرت الولايات المتحدة الأميركية للإسلاميين الذين قاتلوا خدمة لمصالحها، ثم زعمت الإدارة الأميركية ان الهجوم على برجي التجارة الدولية في نيويورك إنما هو فعلة دبّرها الرئيس العراقي صدام حسين انتقاما للهزيمة النكراء التي منيَ بها في قضية الكويت . فدُمر العراق وأعيد العراقيون إلى العصر الحجري وعـُلّق الرئيس صدام حسين إلى حبل المشنقة في صبيحة عيد الأضحى، عيد الإسلام. لفظ الرجل أنفاسه الأخيرة بينما كان يقرأ الشهادتين . كأن الولايات المتحدة الأميركية أرادت في العراق النيل من العقيدة الإسلامية في صميمها، ومن الإنسان المسلم في وجدانه!
بموازاة هذين الحدثين الكبيرين وما حملاه ضمنيا من دلالات أساسية لفهم السيرورة التي بادرت إلى إطلاقها الولايات المتحدة الأميركية وأعوانها في أوروبا في إطار الحاكمية المعولمة وضرورة حسم «صراع الحضارات» نهائيا لصالح الحضارة اليهودية ـ المسيحية الغربية، أقرت الولايات المتحدة الأميركية في سنة 2003، أي بالتلازم مع إحتلال العراق، قانون «محاسبة سوريا»، وأوفدت وزير خارجيتها آنذاك صاحب المحاضرة الشهيرة أمام مجلس الأمن الدولي عن «سلاح الدمار الشامل» العراقي، إلى دمشق حيث عرض على السلطات السورية التوقيع على بنود وثيقة إستسلام، إذا أرادت هذه السلطات تجنيب نفسها وسوريا مصير العراق وحكامه.
بكرت إذاً الولايات المتحدة الأميركية إلى إعلان الحرب على سوريا . فهي لم تبدأ في آذار 2011 . من البديهي أن الحرب على سوريا هي إمتداد لحروب الخليج الأولى والثانية والثالثة. خسئ المثقفون الذين ملاؤا الدنيا جلبة تبشيرا بالثورة الأميركية والخليجية، قبل ان تخمد النار في العراق وقبل أن تجف دماء العراقيين. أما سمعوا عن إرتفاع نسبة التشوهات الخـلقية بين مواليد العراق بسبب الذخائر الأميركية، اليورانيوم المنضب، بصورة مرعبة؟!
في سياق الحرب التي ذكرنا، وزحف جيوش الوكالات الأمنية الأميركية، كمثل بلاك ووتر والمرتزقة الذين أغواهم وأضلهم أمراء النفط بالدولارات والفتاوى، وقع في سنة 2005 إغتيال الرئيس رفيق الحريري. الذي قدح نار «ثورة الأرز» في لبنان، تواصلا مع الحرب على العراق. إتُهمت سوريا ثم أتُهم حزب الله. الثورة على سوريا بدأت في لبنان وليس في تونس. أو بالأحرى جرى إختبارها في لبنان قبل أن تطبق في تونس حيث يتواجد تنظيم الإخوان المسلمين. الذي أثبت تتالي الثورات من تونس إلى اليمن إلى سوريا مرورا بمصر وليبيا. نجت الجزائر لحد الآن. أن الأخوان المسلمين يمثلون الخط الموصل للطاقة الأميركية اللازمة لمشروع الشرق الأوسط الجديد. علما أن الحديث عن هذا المشروع ترافق مع غزو العراق. لا يوجد مشترك، إجتماعي ـ إقتصادي بين تونس وبين اليمن، أو بين ليبيا وسوريا، ما عدا الأخون المسلمين. لا أعتقد أن هذا يكفي لكي يشعل الثورة في آن واحد في اليمن وفي تونس. حتى تستحق السيدة اليمنية توكل كرمان جائزة نوبل للسلام!
بالعودة إلى ثورة الأرز سنة 2005 . ماذا تحقق من إنجازات في لبنان، بعد هذه الثورة، حتى نعترف للثوار بالجميل، قياسا بما كانت عليه الحال في ظل «الوصاية السورية». يحكى أن عددا ملحوظا من الإنتهازيين الذين تسلقوا على مقاعد النيابة والوزارة في لبنان على ظهور السوريين، إنقلبوا عليهم وتحولوا إلى ثوار. أغلب الظن أنه حدث في سوريا أيضا أن نسبة كبيرة من الذين إنشقوا عن النظام السوري، وصاروا جيشا حرا أو جبهة نصرة، كانوا من أسباب علله وعيوبه.
مجمل القول، ان المتغيرات والمتبدلات التي طرأت بعد إنتهاء الوجود السوري الرسمي في لبنان كانت ضئيلة جدا، فضلا عن أنها لم تكن جميعها إيجابية. تواصل تآكل المؤسسات وتفاقم إنحلال المجتمع وإنحطاط الإخلاق وتزايد العبث بأسس الشراكة الوطنية والمصير الواحد إلى حد العربدة كما حدث في بلدة عرسال، والإغراء بـ «المليارات الإفتراضية». إنقسم اللبنانيون عاموديا أثناء حرب تموز 2006 التي أراد المستعمرون الإسرائيليون بواسطتها القضاء على المقاومة، كما إنقسموا تجاه استفزار هذه المقاومة من قبل السيدين فؤاد السنيورة ووليد جنبلاط الذي أدى إلى أحداث 7 ايار 2007 ، وأخيرا إنقسموا في سوريا، ثوار الأرز، هم أنفسهم أعداء المقاومة الذي إستفزوها، يشاركون في الحرب على سوريا. في المقابل تدافع المقاومة وأنصارها وحلفاؤها عن سوريا.
ما أود الإشارة إليه في ختام هذا الفصل، هو أن ما جرى في العراق جراء التدخل الأجنبي، لم يمنع المثقفين المدعين التنوير والحداثة، الذين لعقوا من قصعات شيوخ النفط حتى تخموا، من التصفيق للتدخل الأجنبي الأطلسي في ليبيا. أنظروا الأوضاع في ليبيا راهناً. أما الذين إندفعوا باسم ثورة الارز وراء أصحاب السوابق في الحروب اللبنانية وأثناء الغزو الإستعماري الصهيوني، فإنهم إندفعوا بالحماسة ذاتها خلف المجلس الوطني السوري والجيش الحر اللذين فتح لهما أردوغان الحدود المشتركة بين تركيا وسوريا، التي عبر منها اللاجئون باتجاه تركيا، والمرتزقة والخبراء العسكريون الأميركيون والأوروبيون، وعملاء المخابرات في اتجاه الداخل السوري.
الصدر: نوافق على الحوار إذا كان علنيًا ولتشكيل حكومة بعيدة عن التبعية والتدخلات الخارجية
أعلن زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر، عن موافقته على المشاركة في الحوار مع جميع الجهات في البلاد ولكن...