لم يتسنى لي بعد الإطلاع على النص الكامل للحوار الذي خص به سماحة السيد جريدة الأخبار اللبنانية، لكن استوقفني قوله، وفق ما نقلت بعض الفضائيات من مقتطفات: “لـدي يقيـن أننـا الجيـل الـذي سيدخـل القــدس”..
وهنا لا بد من التذكير أن من يقول هذا الكلام هو رجل صادق، لم يسبق أن قال شيئا وثبت عكسه، وبالتالي، فسماحة السيد ليس من النوع الذي يغامر بمصداقيته ويتحدث عن شيىء لا يكون له مصداق على أرض الواقع ولو بعد حين.
كما لا يمكن مقارنة هذا الكلام “النبوءة” مع “الوعد” الذي سبق وأن أطلقه المقبور ‘الحسن الثاني’ رئيس ‘لجنة القدس’، عندما أقسم أنه سيصلي بالملوك والرؤساء العرب في الأقصى، فأخذ الله روحه ومات وهو حانث لليمين.
لأن سماحة السيد هنا يتحدث عن “يقيــن”، واليقين لا يكون إلا بالمشاهدة، وما يتحدث عنه سماحته غيب في علم الله القدير، فكيف له أن يعلمه؟..
نحن هنا أمام معراج رباني سلكه هذا الرجل الصالح، فشاهد ما لا قبل لمخلوق بمشاهدته، بدليل، أن كلمة “يقين” التي إستعملها سماحته في حديثه عن دخول القدس الشريف، لها مدلول عقائدي عميق يفوق قدرة العقل على إستيعابه، ويتجواز مستوى العامة في الفهم، لأنه من مجال “علم القلوب”..
ولأن مستوى حصول “إيمان اليقين” وفق المفهوم القرآني الوارد في مطلع سورة البقرة، يتطلب بلوغ درجة الإحسان التي لا يدركها إلا أولياء الله المخلصين.. بسبب أن الإيمان بالغيب إيمان اليقين لا يمكن أن يحصل إلا بنور الله لمن إجتباه وفتح بصيرته.
وبهذا المعنى، فتصريح سماحة السيد في هذا الشأن، هو إعلان نبوءة وبشرى للمسلمين بأن الساعة إقتربت ونحن جيلها وهذه أشراطها قد بدأت مع ‘الدابـــة’ أو “الناتو” في حرب الخليج الأولى سنة 1991 وما تلاها من إحتلال للعراق سنة 2003، مرورا بحرب لبنان 2006، فربيع الفتن العربي وما خلفه من قتل وخراب، خصوصا في ليبيا وسوريا واليمن، ثم جائت جحافل داعش، أو “هجوج ومجوج” المفسدون في الأرض فاجتاحوا العراق ويهددون باسقاط دول في المنطقة، وصولا إلى حرب غزة اليوم.
هناك من سيربط بين هذا الإعلان الجديد وما قاله سماحة السيد في خطابه الأخير بمناسبة يوم القدس، عن “إحساس” لديه بأن الصهاينة سيفجرون المسجد الأقصى إقتداء بما تفعله داعش من تدمير للمساجد والكنائس والمراقد بما فيها مراقد الأنبياء، والعالم الإسلامي لا يحرك ساكنا، فما الذي سيفعله العرب والمسلمون لو هدم المسجد الأقصى؟..
وقد تكون فتوى “داعش” بهدم الكعبة لأنها صنم تعبد مع الله، إحدى الصدمات التي يسعى الكيان الصهيوني لإحداثها في الوعي العربي بهدف تخريبه من خلال استباحة مقدساته بعد دمه وعرضه وكرامته.. وليس غريبا أن تكون هذه الفتوة تجسيدا لما ورد في بعض الأحاديث عن رؤية الرسول (ص) للكعبة وهي تهدم، ليستخرج من تحت أساساتها أحد كنوز قارون.
وقد قال ابن حجر في فتح الباري، عن الإمام علي رضي الله عنه أنه قال: (استكثروا من الطواف بهذا البيت قبل أن يحال بينكم وبينه، فكأني برجل من الحبشة أصمع حمش الساقين قاعد عليها وهي تهدم). رواه الفاكهاني وقال: “الأصمع الكبير الأذنين” (كالقرد)، وهناك من ذهب للقول أن الأسود الكبير الأذنين هو ‘أوباما’ الذي صنع “داعش” لتسرع بمقدم “يوم الله” وفق النبوءة التوراتية التي يؤمن بها كل الساسة في الغرب، وعلى أساسها يرسمون إستراتيجياتهم العسكرية.
لكنها، تبقى من أشراط إقتراب اليوم الموعود، وليست سببا في حد ذاتها موجبا لـ”يوم الله”، أو “القيامة الصغرى”، أو “معركة آخر الزمان”، التي يستند اليهود في تقديرها إلى النص العبري الوارد في سفر الرؤيا: 16، الذي يقول، بأن المعركة المسماة معركة “هرمجدون” ستقع في الوادي الفسيح المحيط بـ”جبل مجدون” في أرض فلسطين، وأن المسيح (ع) سوف ينزل من السماء ويقود جيوشهم ويحققون النصر على الكفار، في حين تقول الرؤية القرآنية أن العكس هو ما سيحصل، حيث سينتصر المسلمون على اليهود، لينتهي عصر الظلم والظلام، ويبدأ عصر جديد تنعم فيه الإنسانية بالأمن والسلام والعدل والمحبة والإحترام.
ومهما يكن من أمر، فهذا اليوم هو جزء من عقيدة إيمانية لدى الفريقان، وبالتالي، فالمسلمون واليهود ينتظرون “يوم الله” على أحر من الجمر.. كما وأن قضية “دخول القدس” هي رؤية قرآنية وردت في سورة الإسراء، ولإنها جاءت اليوم بمثابة نبوءة من سماحة السيد لجهة التوقيت فحسب، فلا علاقة للأمر بالحسابات الإستراتيجية السياسية أو العسكرية، حيث ألهمه الله بنوره، أن جيل إمام المقاومة، سماحة السيد حسن نصر الله، قد يكون هو من إختاره الله لهذه المهمة المقدسة التي لا يحضى بها إلا من إرتضى الله أن يجري على يديه الشريفتين إرادته، ليتحقق وعده لعباده، ويعلم العالم أن الله لا يخلف وعده، وأنه على نصر المؤمنين لقدير..
“إسرائيل” تبدو مهتمة حد الهوس باقتراب اليوم الموعود، والذي يتطلب حتما هدم المسجد الأقصى لبناء الهيكل على أقاضه تمهيدا لمجيىء المسيح عيسى عليه السلام، ويتابع الكتاب الصهاينة كل حروبهم مع المسلمين بما فيها حرب غزة القائمة اليوم، وكأنها علامة تجسد نبوءة “نهاية العالم” كما وردت في التوراة.
وفي هذا الصدد، تناولت صحيفة ‘يديعوت’ هذا الإسبوع حملة التأييد الإعلامية المصرية لحرب “إسرايل” على غزة ومطالبة بعض الإعلاميين المصريين من حكومة نتنياهو القضاء على حماس “الإرهابية”، تعتبر سابقة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، حيث لم يلحظ مثل هذا التأييد العلني، والخارج عن “ضبط النفس” لإسرائيل من حلفاء عرب (مصر، السعودية، الإمارات، الأردن…) منذ النكبة سنة 48. وهذا الأمر قالت عنه الصحيفة: “بدا وكأنه تجسيدًا لنبوءة نهاية العالم كما وردت في التوراة”. ومن هنا يفهم لماذا أكد ‘النتن ياهو’ أن أكبر إلإنتصار حققته “إسرائيل” من حرب غزة، هو هذا الدعم والتحالف العربي الإستراتيجي الذي يجب تعزيزه وتقويته.
وفي ذات السياق، نقات جريدة الأخبار اللبنانية عن موقع (NFC) الإسرائيلي قبل يومين، قوله، أن حزب الله سيطلق على الحرب المقبلة تسمية “نصر الله”، ليس على أساس اسم أمينه العام، بل على أساس المعنى الحرفي للكلمتين باللغة العربية: “النصر من عند الله”. وهي حرب، يضيف التقرير العبري: “لا أحد يمكنه أن يعرف متى تنشب، إلا أن الوسائل القتالية الموجودة لدى العدو (حزب الله)، المتطورة والكثيرة، تتلاءم كثيرا مع الحرب الموعودة لدينا في التوراة: حرب “ياجوج وماجوج”، وهي حرب قاسية وخطرة جدا على اليهود”.
وها هو الرد على تساؤل الموقع الذي يقول أن “لا أحد يمكنه أن يعرف متى تنشب” يأتي هذه المرة من سماحة السيد بشحمه ولحمه، وهو رد قاسي سيدفع “إسرائيل” لإعادة حساباتها، لأن الرؤية القرآنية التي تقول أنه إذا جاء وعد الثانية فإن جند لله سيجوسون في الديار.. ها قد كشف عن موعدها سماحة السيد، وبالتالين فلا مجال للسخرية أو الإستهزاءن لأن من تكلم هو سيد الكلام، وما قاله سيحدث زلزة عظيمة في إسرائيل والمنطقة والعالم، وسيتابع المؤمنون بإختلاف عقائدهم في كل مكان من العالم، ما سيحدث في هذا الشرق الذي سيخرج منه من سيقود الإنسانية نحو الخلاص..
تقول الكاتبة الأمريكية ‘جريس هالسل’ في كتابها (النبوءة والسياسة): “إن النبوءات التوراتية تحولت في الولايات المتحدة الأمريكية إلى مصدر يستمد منه عشرات الملايين من الناس نسق معتقداتهم، ومن بينهم أناس يرشحون أنفسهم لانتخابات الرئاسة الأمريكية، وكلهم يعتقدون بقرب نهاية العالم ووقوع معركة ‘هرمجدو’ن، ولهذا فهم يشجعون التسلح النووي ويستعجلون وقوع هذه المعركة باعتبار أن ذلك سيقرب مجيء المسيح”
كما وأن الرئيس ‘ريغن’ سبق له وأن قال سنة 1980، في مقابلة تلفزيونية: “إننا قد نكون الجيل الذي سيشهد معركة هرمجدون”. أما الرئيس ‘بوش’ فقد نقلت عنه مجلة ‘دير شبيغل’ الألمانية قوله: لقد أصبحت واحدا من ملايين الأمريكيين الذين يؤمنون بالولادة الثانية للمسيح (ع).
الخوف الإسرائيلي من القيامة القادمة، يكمن في إعتقاد العديد من كبارهم، أن نهاية العالم قد اقتربت، وأننا نعيش الآن في الأيام الأخيرة التي ستقع فيها معركة ‘هرمجدون’، وهي، وفق ما تقول التوراة، المعركة الفاصلة التي ستبدأ بقيام المسلمين بشن حرب ضد “دولة إسرائيل”، وبعد أن ينهزم اليهود يأتي المسيح ليحاسب أعداءهم ويحقق النصر، ثم يحكم العالم لمدة ألف عام يعيش الناس في حب و سلام.
نعلم أن ما نتحدث عنه هنا لا علاقة له بالعقل ولا بضروب المنطق وأدواته.. لكن الناس في الشرق والغرب يصدقون أنه أمر جلل قادم، وما لم يكن يعرف حتى الآن هو الساعة، والتي حددها سماحة السيد بفضل من الله ونوره في هذا الجيل الذي نحن شهوده.
فها هو الطوفان قادم إذن، وها هي سفينة نوح يستعيرها سماحة السيد من صاحبها، لينقذ كل من آمن بثقافة المقاومة و وعد الله الآتي، ورغب في النجاة من يوم الحساب القادم، والذي تقول عنه “إسرائيل” أنه سيكون “عسيرا و قاسيا جدا”…
فاحجزوا مقاعدكم في سفينة المقاومة قبل فوات الأوان، لأنه يومئذ لا عاصم لكم من أمر الله.
نصــر الله و أشــراط الساعــة..