تؤشر المعطيات المتجمعة في أفق الاستحقاق الرئاسي الى صعوبة اتمامه في موعده،رغم مخاطرة الغوص في بحر التوقعات، وما تفرزه جولات المشاورات التي تشكل جوهر الحركة السياسية، ان على المستوى الداخلي او الخارجي الاقليمي منه والدولي ، حيث تسارعت وتيرة اللقاءات والاتصالات في شكل ملحوظ في اعقاب جلسة الانتخاب الثانية،مترقبة للمساعي التي سيقوم بها السفير الاميركي دايفيد هيل في الرياض للتشاور مع المسؤولين السعوديين في عدد من الملفات الاقليمية من بينها لبنان بصفته عضوا في اللجنة المشتركة الاميركية – السعودية التي تعنى بأوضاع المنطقة، واحتمال اجتماعه مع الرئيس سعد الحريري.
عليه ترى اوساط دبلوماسية مواكبة لحركة الاتصالات الدولية الجارية ،ان الاستحقاق الرئاسي اللبناني،اصبح مرتبطا بشكل وثيق بنتائج المحطات السياسية والعسكرية الاقليمية،بعد فشل القوى المحلية المتحكمة بمفاصل الوضع السياسي اللبناني من تحرير نفسها وبعضها من الارتهان للقوى الخارجية،واصرارها على ادارة شؤون البلاد بمنطق النكايات والسياسات الفئوية ،التي لا يمكن ان تنتج رئيسا بعدما عجزت عن تشكيل حكومة على مدى 11 شهرا، لم تبصر النور الا بتوافق اقليمي بحده الادنى ،بعد تدخل الخارج على خط منع استنزاف الامن والاقتصاد بعدما كادا يلامسان الخط الاحمر المرسوم دوليا،ما سينطبق من جديد على «الرئيس التسوية» القادر على حفظ التوازن السياسي ومنع الانهيار الامني حتى تأتي ساعة حسم مستقبل الوضع اللبناني التي يحددها مسار التسويات في ملفات المنطقة.
واعتبرت المصادر ان الزيارة الاخيرة للرئيس الاميركي باراك اوباما الى السعودية شكلت منعطفا اساسيا في تاريخ المنطقة،ما سيكون له انعكاساته الكبيرة على مستقبل دولها وشعوبها،اذ نجحت الادارة الاميركية في اختراق الجدار السعودي عبر اقناع «مؤقت» للمملكة في فتح قنوات الاتصال مع ايران ،ما اسفر عن اربع لقاءات سرية حتى الساعة ،اثنان في دولة خليجية والآخران في دولة افريقية، مقابل ادراج واشنطن لكافة الملفات العالقة التي تشكل عناوين صراع وتحد لدول الخليج على جدول اعمال المفاوضات مع طهران.
خطوة تخوضها السعودية بحذر تضيف الاوساط الديبلوماسية مترقبة خطوات عملية وجدية تظهر مدى مصداقية الجمهورية الاسلامية في البحث عن حلول وتسويات جوهرية متوازنة للملفات الخلافية، تشكل نقطة انطلاق جدية ،قد تكون اولها نتائج الانتخابات العراقية وكيفية التعامل معها لجهة انتاج حكومة متوازنة داخليا ومع الخليج وسوريا، ليصار عندها الى رفع مستوى الاتصالات بين الطرفين ،التي حققت تقدما متواضعا في جولتها الاخيرة منذ عشرة ايام في عمان، فتصبح هذه العلاقات على مستوى التفاوض الرسمي وتنتقل لتلامس مجمل الملفات، على ان تتوج بزيارة للرئيس الايراني الى الرياض. فبغداد شهدت اول تعاون سعودي – ايراني بالواسطة خلال الاشهر الماضية في اطار الحرب ضد «داعش»،بحسب ما تشير اليه المصادر.
المصادر الدبلوماسية التي ابدت ايجابية حذرة، اوضحت أن المرونة الايرانية الشكلية،حتى الساعة،في المفاوضات،والناتجة عن وضعها الاقتصادي ومشاكلها الداخلية ، لن تدفعها لتقديم تنازلات في الساحات الثلاث التي تشكل أوراق قوتها في كل من العراق وسوريا ولبنان بسهولة، قبل وضعها صراحة على طاولة المفاوضات، ما يعني عمليا ابقاء الساحات الثلاث مجمدة، بشكل أو بآخر، بانتظار ان تشكل انتخابات الرئاسة السورية عاملا مساعدا، يساعدها في توظيف الفراغ اللبناني لمصلحتها، وللتعامل مع فراغ آخر في العراق، في ظل خريطة جديدة لتوزع القوى، انتجتها الانتخابات التشريعية،ما قد يهدد بنسف كل الآمال.
امر اقرت به مصادر سياسية لبنانية متابعة ،مشيرة في معرض تحليلها لمعركة رئاسة الجمهورية، ان استراتيجية فريق 8 آذار تبين ان الاخير غير مستعجل في حسم قراره بانتظار ان تتضح معالم التسويات والمساومات التي ستُفضي في الواقع إلى إرساء قواعد للعلاقات الأميركية – الإيرانية في المرحلة المقبلة.
تروي شخصية لبنانية، تربطها علاقات ومصالح وثيقة بالجمهورية الاسلامية،عادت حديثا من زيارة الى طهران التقت خلالها عددا من المسؤولين، ان الاخيرة ذهبت ابعد من مجرد إشارات ورسائل إيجابية للسعودية،عبر خطوات عملية قامت بها لكسر الجمود والتباعد والاتصال المباشر دون وسطاء،لبحث الملفات الجوهرية العالقة والتي تمس الامن القومي والمصلحة الاستراتيجية لكلا البلدين،مبدية حسن نيتها من خلال تسهيل ملف تشكيل الحكومة اللبنانية،كذلك في الملف اليمني،مؤكدة اكثر من مرة ان ملف تسلحها المتقدم هدفه دفاعي ضد التهديدات الاميركية والاسرائيلية المستمرة ،ولم يكن يوما موجها ضد دول المنطقة. وتتابع الشخصية ،انها لمست نية صادقة لدى المسؤولين الايرانيين للتعاون مع السعودية في مواجهة الاخطار المشتركة وعلى رأسها تفشي ظاهرة الارهاب الذي يصيب كل دول المنطقة وفي مقدّمها الرياض، في ظل التبدل النوعي الايجابي الذي تُرجم الى أفعال من خلال القوانين التي أقرّتها المملكة لمحاربة الارهاب .
هذه طبيعة الصورة التي ترتسم الان حول مقدمات التسويات لملفات المنطقة وتبعا لذلك لن يسجل اي جديد في الملف السعودي قبل نقطة البداية من العراق وكل ما هو منتظر حول ملف لبنان لن يتعدى انجاز تسوية في الملف الرئاسي على غرار ما جرى حكوميا منعا للانهيار الداخلي وحفاظا على التوازن القائم، وحتى تتظهر الصورة بوضوح وتنقشع الرؤية الضبابية. فبشكل واضح قال حزب الله بلسان الشيخ نعيم قاسم، ان الظروف غير مؤاتية للانتخاب، وان الجلسات لا فائدة منها. تأسيسا على ذلك يمكن القول ان الانتخاب مفرمل وان اللبننة كلام يحتاج الى تنفيذ، الا اذا كانت هناك حقيقة تقول انتظروا الخارج. مقابل هذه التعقيدات الرئاسية كشفت معلومات عن وجود حراك فرنسي قوي على الخط الرئاسي بدعم غربي ومواكبة اميركية، وان لقاءات بعيدة من الاضواء تنعقد في باريس للتوصل الى مخرج للمأزق الرئاسي قبل الخامس والعشرين من أيار. ما هو مصير الاستحقاق الرئاسي؟ وهل سيتمكن لبنان من تجاوز قطوع الفراغ وانتخاب رئيس قبل انقضاء المهلة الدستورية ام سيقع في المحظور الذي يحمل الكثير من القادة السياسيين والروحيين على التحذير من تداعياته؟ وكيف ستتصرف قوى الرابع عشر من آذار والوسطيون مع استمرار تعطيل النصاب؟وماذا تعني عودة السفير السعودي الى لبنان في هذه اللحظة بالذات،في ظل المعطيات عن تعيين سفير جديد مكانه ،وبعد الكشف عن اعتماد سفير ايراني جديد في بيروت؟
الديار