يقرّ الجميع بأن الخطر الذي كان منذ اشهر يقرع أبواب لبنان، تسرّب الى الداخل بفعل عوامل عدة
“خطر داعش هنا يستدعي إعادة تكوين السلطة، ولا يتم الا بمجيء الممثلين الحقيقيين لمكونات المجتمع اللبناني
طريق الحلّ اللبناني لن تمرّ الاّ “بثلاثية رؤساء الجمهورية والمجلس والحكومة الأقوياء”
لم يمر الحدث العراقي وما حمله من طيّ لصفحة نوري المالكي بلا ملاحظات من قبل العاملين في المطبخ السياسي اللبناني. فمن حيث المبدأ، يلتقي الجميع عند مسلّمة ارتباط خيوط المنطقة ببعضها البعض، واعتبار أي تغيير في الموازين المحلّية في أي بلد، مؤشّراً لما سيحصل في بلدان الجوار، كونه يأتي في سياق لعبة الشطرنج الإقليمية، برعاية دولية. فهل ستسرّع تطورات العراق الملفات اللبنانية؟
اذا كان خطر داعش على النسيج العراقي فرض نفسه محرّكاً للتغيير الحكومي ومعجّلاً له، وهو الذي سيحتاج الى حوالى الشهر ليكتمل بفعل الدستور العراقي الذي يعطي مهلة ثلاثين يوماً لتشكيل الحكومة، فإن عبارة جديدة دخلت على قاموس المفردات السياسية اللبناني وهي “ما قبل عرسال، ليس كما بعدها”. وهي تسمع على حد سواء في دارة رئيس تيار المستقبل سعد الحريري في وسط بيروت، وعلى لسان المقربين من رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط، كما في أحاديث نواب من التيار الوطني الحر وحزب الله وحركة أمل، وإن كان التفسير يختلف في شأنها.
في المبدأ، يقرّ الجميع بأن الخطر الذي كان منذ اشهر يقرع أبواب لبنان، تسرّب الى الداخل بفعل عوامل عدة. ولكن، وحتى الحظة، لا يزال تيار المستقبل يصر على أن حزب الله جرّ التكفير الى الداخل اللبناني، بتدخّله في سورية، ولا سيما على خلفية معاركه في يبرود والقلمون والقصير. بينما يرى الطرف الآخر ان ذهاب حزب الله الى سورية كان النتيجة وليس السبب. فتنامي الحركات التكفيرية من تونس الى العراق ومصر، سبق التدخل العسكري لحزب الله بعامين على الأقل. ما يعني بالتالي، أن الفكر الرافض للتنوّع والتعددية بنى خطّته وحاول تنفيذها على ارض الواقع. ولولا تواجد حزب الله في الأماكن التي يجب ان يتواجد فيها في سورية، لكانت امارة داعش والنصرة مرّت ببيروت.
واذا كانت القراءات لا تزال مختلفة راهناً للأسباب، فالأمر ينسحب كذلك على كيفية معالجتها. من وجهة نظر المستقبل، فإن عودة سعد الحريري الى بيروت كانت ضرورية لاعادة الإمساك بالساحة السنّية، بعدما فلت الشارع أكثر من مرة من عكار الى طرابلس مروراً بالبقاع وصيدا وبيروت. وعلى هذا الصعيد، يؤكّد نواب المستقبل ان رئيس تيارهم لا يضمر غير ما يعلنه في تصريحاته وجلساته المغلقة، على حدّ سواء، من ضرورة “تعزيز تيار الاعتدال في مقابل النزعات الى التطرّف”، وهي الغاية الأساس التي دفعت بالسعودية الى إعطاء الضوء الأخضر لبطاقة العودة لرئيس تيار المستقبل الى لبنان. وقد حرص في الأيام الماضية في حراكه ولقاءاته واتصالاته على القول “الأمر لي”، داخل بيت المستقبل أولاً قبل الآخرين، كمقدمة لاعادة ترتيب “البيت السنّي”.
المستقبل يدعو لأخذ العبر من تجربة العراق
من جهته، يدعو المستقبل الى أخذ العبر من التجربة العراقية، حيث التعنّت سيصل حتماً الى نهايته في مرحلة ما. ومن الأفضل بالتالي، ان تترسّخ القناعة بذلك عاجلاً، على أن تفرض آجلاً بفعل الخضات السياسية والأمنية. “فلا مجال الاّ للتوافق، ولا يمكن لأي طرف أن يفرض شيئاً ما بالقوة على الآخر، لذلك فمن الأفضل لملمة البيت الداخلي واجراء الاستحقاق الرئاسي والانتخابات النيابية من بعده، وصولاً الى تشكيل حكومة وحدة وطنية تكفل مشاركة الجميع”.
وبينما يرى أصحاب هذا الرأي ان خطر داعش على العراق، فرض استبدال المالكي، يرى أصحاب نظرية “الرئيس القوي” أن “خطر داعش هنا يستدعي إعادة تكوين السلطة، ولا يتم الا بمجيء الممثلين الحقيقيين لمكونات المجتمع اللبناني، بدءاً من المكون المسيحي. فالقناعة راسخة بمعادلة، “إما الرئيس القوي أو لا انتخابات رئاسية في لبنان”، وقد ترسّخت اكثر، بحسب أصحاب هذا الرأي، بعد ما شهدته عرسال، وما تشهده المنطقة من سورية الى العراق.
ولكن هل هذه المقاربة قابلة للتطبيق راهناً؟ لا شيء محسوماً حتى اللحظة. فإن كان الحريري يؤكد في مجالسه، وآخرها مع مجموعة من الإعلاميين التقته في بيت الوسط، أن الحوار مستمر مع التيار الوطني الحر، فهو لم يربط ذلك بالملف الرئاسي، بل “بالمصلحة الوطنية التي تحتّم الحوار بين مكونين أساسيين من مكونات التركيبة اللبنانية”.
يراهن الطرف الآخر على التطورات الإقليمية والحاجة اللبنانية-اللبنانية، وتجربة عرسال، لبلورة القناعة عند الحريري وفريقه السياسي بأن الرئيس القوي حاجة لجميع اللبنانيين. ولكن هل من مؤشرات لذلك؟ هناك بداية قناعة، بحسب المتابعين، “لكن عندما يتعلّق الأمر بسواك، لا شيء اسمه مئة في المئة. ولكننا نضمن ارادتنا بعدم القبول بغير ذلك، لأن ما نشهده راهناً، قد يكون آخر معارك الشراكة الفعلية والمناصفة الحقيقية في لبنان”.
على ماذا التعويل؟ هناك قرار متخذ، ينطلق من النبض المسيحي القائم، ويستند الى القناعة المستمرة بفوائده وايجابياته وضرورته من قبل الحلفاء، بحسب خط التواصل. ولكن هل من ضمانات باستمرار ذلك في ضوء المتغيّر العراقي؟ وما الذي يمنع الذهاب في اتجاه الحلول الوسط في بيروت بعد بغداد؟ يؤكد المتابعون أن لا مساومة على ذلك حتى الساعة، وطريق الحلّ اللبناني لن تمرّ الاّ “بثلاثية رؤساء الجمهورية والمجلس والحكومة الأقوياء”…والاّ فلا انتخابات رئاسية في لبنان، ولا عودة لسعد الحريري الى السراي الحكومي.
قد تحتاج هذه المعادلة الى بعض الوقت لتكتمل. وفي النهاية، فالمشهد العراقي بدوره قد لا ينضج قبل أسابيع…. اما البداية لبنانيا فالتمديد للمجلس النيابي.
البلد