كل من يعرف حقيقة الموقف الصعب لتيار المستقبل على المستويين الشعبي والسياسي، لم يستغرب كلام الرئيس الاسبق للحكومة سعد الحريري الداعي لفك حصار غير موجود على اهالي عرسال، وكل من هو مطلع على حجم المخاوف المتعاظمة من بعض الدول الاقليمية من احتمال خروج الامور عن «السيطرة » وذهاب الاحداث في اتجاه حسم «معضلة » جبهة القلمون وجرود عرسال، يدرك ان مواقف الحريري «منطقية » بحساب الارباح والخسائر التي يمكن ان تصيبه مع حلفائه اذا ما اقفل هذا «الجرح النازف » في «خاصرة » الجيش السوري وحزب الله.
اوساط سياسية في 8آذار، ترى ان ثمة شقين في كلام الحريري الاول يعبر عن قرار اقليمي بمنع اقفال «جبهة عرسال »، والثاني موقف تنظيمي داخلي هو تعبير عن مازق بين تيارالمستقبل وجمهوره. فزعيم «التيار الازرق » يجد نفسه مضطرا الى رسم معالم حواره مع حزب الله عبر تاكيد العديد من الثوابت التي يرغب في تثبيتها قبل البدء بهذه الجلسات الحوارية، وهو في هذا السياق اراد ارسال «رسالة » واضحة تفيد بان تياره لن يقبل بان تتم تسويات من جهة واحدة لاكثر الملفات سخونة على الساحة اللبنانية، فاذا كان قد رضي سابقا التعاون في ملف طرابلس الامني باعتباره ملفا متفجرا ويهدد الاستقرار الداخلي، الا ان هذا الامر لا ينطبق على عرسال، ولن يكرر التجربة هناك. وبرايه فان هذا الملف مرتبط مباشرة بما يحصل في الجانب الاخر من الحدود، فاذا كان حزب الله لا يريد مناقشة مسألة تدخله في الحرب السورية ولا يرغب بادراج هذا الامر على جدول الاعمال، فهذا يعني حكما ان ملف عرسال ايضا خارج جدول الاعمال، اي بمعنى اخر «عرسال » مقابل الانسحاب من سوريا. فالحريري يدرك من جهة ان قاعدته الشعبية لن تستطيع هضم اي تغطية من قبله لحسم المواجهة هناك، وما يحصل في طرابلس من تداعيات كان بمثابة اختبار قاسي لا يريد تكراره، ومن جهة اخرى فهو يرتبط بتفاهمات اقليمية تنظم عمل هذه الجبهة وتمنع سقوطها، وهذه القوى تؤمن من خلال «المستقبل » التغطية الداخلية اللازمة لعدم حصول هذا الامر، وبالتالي فان هكذا قرار ليس بيده.
وبحسب تلك الاوساط، فان تصعيد الحريري مرتبط ايضا بازمة داخلية تعصف بتيار المستقبل، فمثلا لم تسعف هبة العشرين مليون دولار لطرابلس «زعيم » «التيار الازرق » في تعويض ما خسره من شعبية في الشارع السني، وما حصل خلال الساعات القليلة الماضية مع الأمين العام لتيار «المستقبل» أحمد الحريري خلال زيارته الفيحاء كان بمثابة «دق ناقوس » الخطر، بعد رفض الأهالي استقباله إلا بعد الإيفاء بالوعود وإطلاق سراح الموقوفين من رؤساء المحاور وابناء المنطقة الذين حملوا السلاح بفعل «الشحن الأزرق» سياسيا ومذهبيا، ثم دخلوا السجن نتيجة «صفقة » سياسية تمت على حسابهم .
والامر الخطير في هذه الاحداث أن هذه «الرسالة » جاءت بعد ايام معدودات على الاطلالة التلفزيونية «الاستعراضية » للرئيس الحريري تقول الاوساط، والتي خصص الجزء الاكبر منها لاسترضاء جمهوره الساخط، والنتيجة على ما يبدو كانت «صفر »، فهذه الانتكاسة اتت من عاصمة الشمال وهي ليست المؤشر الوحيد على اخفاق «زعيم » «التيار الازرق » في اعادة التوازن المختل بين القيادة والجمهور، فالتقارير القادمة من البقاع غير مبشرة ايضا، فالتنسيقيات قدمت خلال الاسبوع المنصرم تقارير مخيبة للأمال، دلت على وجود نقمة كبيرة وعارمة على سوء ادارة الملفات التنظيمية لجهة تهميش قيادات المناطق عن القرار المركزي الذي بات بين يدي عدد محدود من «المحظيين » داخل تيار المستقبل، وهذا الامر تجسد ايضا في طرابلس قبل ساعات معدودات حين زار احمد الحريري المدينة بمعزل عن التنسيق مع قيادات وكوادر تيار «المستقبل».
وفي هذا السياق تقول اوساط بقاعية مطلعة، ان «الجمهور الازرق »يعيش بقاعا حالة من «الانفصام » «والازدواجية » المحيرة بفعل عدم فهم حقيقة الاستراتيجية المعتمدة من قبل القيادة المركزية حيال الوضع المتفجر في عرسال والتناقض المستمر بين اقوال الحريري وافعاله، فمن جهة يقدم دعمه المطلق للجيش، ومن جهة اخرى يرفض «الظلم » الواقع على اهالي المدينة، فكيف يمكن ان يكون في وقت واحد مع الظالم والمظلوم؟ واذا كان هو يكتفي بتصريحات سياسية من الخارج، فالمشكلة هي في كيفية تسييل هذه التصريحات على ارض الواقع، خصوصا ان الموقف العام المعلن من قبله هو رفضه للطرف وتاييد الاعتدال، لكن من يطبق هذه التصنيفات على المستوى العملاني؟ وكيف؟ وهل المطلوب اخلاء الساحة مثلا للجماعة الاسلامية التي ما تزال تؤمن «المظلة » الدينية والسياسية لبعض من تصنفهم الدولة في خانة المطلوبين بحجة دعم المسلحين السوريين؟ وهل المطلوب التخلي عن هذا الدور في منطقة لا «صوت يعلو فيها على صوت » المظلومية التي يتعرض لها اهل السنة؟
والانكى من كل ذلك بحسب تلك القيادات ،ان الحريري اختار الذهاب الى الحوار مع حزب الله دون ان يلتفت الى القاعدة الجماهرية التي لم تفهم حتى الان لماذا انقطع الحوار اصلا؟ ولماذا اختار «الزعيم » العودة اليه؟ خصوصا ان الفتور في العلاقة او الخصومة وحتى العداء جاء على خلفية اتهام حزب الله بدعم النظام السوري و «ذبح » السنة في سوريا، واضعافهم في لبنان، فما الذي سيتغير اذا كانت كل هذه الملفات خارج نطاق الموضوعات الحوارية؟ وكيف يمكن اقناع الجمهور بصوابية هذا القرار اذا كان قيادات المستقبل لا تملك اي اجابات واضحة في هذا السياق. اما حجة تخفيف الاحتقان فهي لا تجد اي صدى لا في البقاع ولا في الشمال، ففي الاولى تعيش المنطقة يوميا على ايقاع ملف العسكريين المخطوفين والتواصل مستمر بين القيادات السياسية في المنطقة عبر استخبارات الجيش، وهي نجحت حتى اليوم في وضع سقوف مقبولة للتصعيد، ولا حاجة لحوار على مستوى عال لضبط ايقاعها، اما في الشمال فلم تعد هناك اي حاجة للتهدئة، فالامر اصبح امرا واقعا بعد ان تخلى «التيار الازرق » عن «اوراقه » هناك وخرج من «معادلة الشارع » الذي اصبح في مكان آخر. فلماذا اذا الحوار الذي زاد وعمق ازمة تيار المستقبل قبل ان يبدا؟
وفي السياق نفسه، ترى تلك الاوساط ان الحريري لا يجد نفسه محاصرا فقط بواقع الازمة الداخلية التي »تعصف » بتياره بل بالمنافسة الجدية «والمزعجة » التي تشكلها «هيئة العلماء المسلمين » التي تخطب ود الجمهور السني، واذا كانت قيادة المستقبل لم تحسم امرها ازاء كيفية التعامل مع «الهيئة » في ظل راي يمثله وزير العدل اشرف ريفي ويقول بتعزيز التواصل معها خصوصا مع عودة الشيخ سالم الرفاعي الى رئاستها، فيما يرفض تيار آخر وعلى راسه وزير الداخلية نهاد المشنوق هذا الامر ويدعو الى ايجاد مسافة واقعية معها لابراز الاختلافات الموجودة في الكثير من المواقف والافكار التي لا قدرة لتيار المستقبل على تبنيها، فان الحريري يجد نفسه مضطرا الى مجاراتها في رفع سقف خطابه السياسي لعلمه ان جمهوره بات «يطرب » «لغناء» هيئة العلماء ويفهم «لغتها » اكثر مما يفهم عليه.
وازاء ذلك، يعرف رئيس الحكومة الاسبق ان اي قرار سياسي في الدخول بمعركة عسكرية حاسمة في عرسال وجرودها لا يمكن ان يمر دون موافقته وتغطيته السياسية في الحكومة وخارجها، لكن هذا الامر لايجعله ينام على «حرير» وهو مضطر للتصعيد كموقف استباقي، لان ما يخشاه هو ان تتكرر احداث عبرا والشمال وتنزلق الاحداث في اتجاهات تصعيدية تحاصر موقفه وتجعله ينضم مرغما الى جوقة «الفلكلور » الوطني الداعمة للجيش.
تعميم المركزي يخفض سعر صرف الدولار؟
بعد أن اصدر مصرف لبنان تعميماً جديداً يلزم المصارف بالحصول على موافقة مسبقة منه قبل فتح اعتمادات او دفع فواتير...