لم يصح لكثيرين قراءة الأبعاد الحقيقية والاسباب المنطقية والواقعية التي جعلت الرئيس السابق للحكومة ينهي غربة السنوات الثلاث القسرية التي قضاها بعيداً عن لبنان تحت حجة الخطر الأمني والخوف من الاغتيال ليعود فجأة ومن دون مقدمات وعلى هامش احداث عرسال بدون ان تسقط بالطبع تلك المحظورات والمخاوف لدى زعيم المستقبل. فصحيح ان العنوان الاساسي لعودة الحريري هو الهبة السعودية للجيش اللبناني ومن باب وضع المساعدة السعودية على سكة التنفيذ السريع، إلا ان الأكيد ان تلك العودة لها صلة اساسية بالأحداث العرسالية وكل ما يحصل في المنطقة من الموصل الى عرسال.
وبانتظار ان تحمل الأيام القادمة جواباً واضحاً وكفيلاً باناطة اللثام عن حقيقة دوافع العودة خصوصاً انها ليست الهبة الاولى من المملكة السعودية الى لبنان، بل سبقتها هبة اكبر حجماً بثلاثة مليارات، فان التكهنات تتراوح بين عدة عوامل جعلت عودة الحريري حتمية وضرورية من ضرورات المرحلة لكن اللافت ان هذه العودة إذا كانت أثلجت قلوب 14 آذار، إلا انها وللمفارقة الغريبة لم تزعج فريق 8 آذار واخصام الحريري فمنهم من رحب بتلك العودة ومنهم من تنفس الصعداء كالرئيس نبيه بري الذي ابدى ارتياحه ومباركته للخطوة.
ومن العوامل المشجعة على العودة كما تقول اوساط سياسية انها مرتبطة بالقرار السعودي الذي يريد الحريري لاعباً اساسياً على الساحة اللبنانية بعد تراجع دور تيار المستقبل وحالة الضياع التي اصابته بعد ضربات داعش والنصرة وبعد ان صار التنظيمين الإرهابيين واقعاً يروع المناطق اللبنانية وبعد ان تحولت البيئة السنية الى حد ما الى بيئة حاضنة للتنظيمين اللذين ثبت في احداث عرسال انهما ارتدا على الجمهور والرأي العام السني وان المجموعات الإرهابية التي هاجمت مواقع الجيش قتلت وسرقت في البلدة التي احتضنت النازحين السوريين وان داعش خرجت من بين هؤلاء النازحين المختبئين في المخيمات.
فالواضح ان المستقبل تراجع دوره على الساحة السنية امام حالات التطرف السني، وان القيادات البديلة لسعد الحريري لم تنجح بادوارها كما كان يفترض والكل يعلم ان قيادات اساسية في تيار المستقبل تحولت الى قيادات محاور قبل ان يفلت منها زمام الأمور فكان لا بد للعودة التي ترتبط ايضاً بملف استنهاض فريق 14 آذار الذي يعاني منذ فترة حالة احتضار حقيقية، لكن ما يصعب معرفته من المحطة الأولى للعودة هو كيف سيكون الخطاب السياسي للحريري، وهل سيكون المشهد مختلفاً عن الحقبات السياسية السابقة، وهل سيصبح الحريري في يوم من الأيام صورة معدلة او نسخة تشبه وليد جنبلاط الذي ذهب من اقصى اليمين الى اليسار مع بدء غزوة داعش للأراضي اللبنانية والذي اضطره المشهد الإرهابي ودفعه الى حارة حريك ومن ثم الرابية للبناء والحوار مع اعداء الأمس، فكان الموقف الشهير لجنبلاط بان الإرهاب القادم الى لبنان لا علاقة لحزب الله بجره الى المناطق اللبنانية. فهل يمكن ان تشهد الأيام المقبلة تحولاً في الموقف الحريري على غرار التحول الجنبلاطي، وهل يقدم الحريري الذي رفع اول وصوله شعار الاعتدال السني وسيعمل على تثبيته وفرضه في المجتمع والبيئة السنية على مغامرة جريئة تشبه مغامرات وليد جنبلاط؟
بدون شك، ان وليد جنبلاط ليس سعد الحريري والعكس صحيح، فالزعيم الدرزي كما ثبت في السياسة قادر على الاستدارة والتموضع حيث يريد بسهولة ومرونة ولا احد يستطيع تقليده بها، وقياساً بما جرى على مر السنوات الماضية يمكن القول ان جنبلاط غير وبدل موقعه عشرات المرات، فيما الحريري لم يفعل باستثناء مشاركته في حكومة تمام سلام الى جانب حزب الله والتنسيق الأمني بينهما ولكن من دون التراجع اي خطوة الى الوراء. فزعيم المستقبل لم يصل الى القناعة الجنبلاطية بعد بتبرئة حزب الله من جرم القتال في سوريا او من تهمة جر النصرة وداعش الى الأراضي اللبنانية، ولا يمكن بالتالي للحريري قائد فريق 14 آذار ورأس الحربة فيه والمرتبط بأجندة المملكة العربية السعودية ان يتحول الى صورة طبق ألأصل عن وليد جنبلاط.
وإذا كان هذا التحول مهماً بالنسبة الى الوضع اللبناني، لكن عدم حصوله في الوقت الراهن لا يلغي المفاعيل الإيجابية لعودة الحريري والتي تتمثل بقدرته وحده على ضبط الحالة السنية وقيادتها بعد حالة الضياع والارباك التي عصفت بها، وبعدما ثبت ان التكفيريين في احداث عرسال لا حدود لهم.
ماذا عن الملف الرئاسي ؟ تؤكد اوساط سياسية مواكبة لعودة الحريري ان هذا الملف غير مرتبط بالعودة، لأن الانتخابات الرئاسية لها وضعيتها الخاصة وارتباطاتها الاقليمية وقرار الجهات والدول الفاعلة على خط الاستحقاق.
تعميم المركزي يخفض سعر صرف الدولار؟
بعد أن اصدر مصرف لبنان تعميماً جديداً يلزم المصارف بالحصول على موافقة مسبقة منه قبل فتح اعتمادات او دفع فواتير...