بحثاً عن اسباب سيكولوجية لكل ذلك الهلع. لعل دولنا، مجتمعاتنا، انظمتنا، هي فعلا كثبان من الرمال…
يقول مستشار وزير خارجية عربي لزميل خليجي «لا تنظروا الى وجه حسن روحاني بل انظروا الى وجه قاسم سليماني. هناك توجد ايران». هل حقا ان ايران توجد في وجه ذلك الرجل الحديدي؟
المستشار يعلن «ان ثقتنا بالولايات المتحدة في القاع. يربتون على اكتافنا، ويطمئنوننا، لكنهم في مجالسهم الخاصة يرددون كلاما آخر، و يعتبرون ان دولنا آيلة الى الانفجار، وبالتالي الى الانهيار. وهم يفاوضون على ان التفاهم مع ايران ضرورة استراتيجية. العبارة حمّالة اوجه. لا تتصوروا اننا لا نعلم ان اميركا تخلت من زمان عن اخلاقية جيفرسون ليغدو مكيافيلي هو عرّاب الامبراطورية».
الاميركيون ليسوا وحدهم الذين يقولون ان التنظيمات الراديكالية لم تكن يوماً ظواهر عابرة ويمكن اجتثاثها بمجرد دحرها عسكريا، بل هي تتناسل اكثر فأكثر. الاوروبيون يقولون ذلك ايضا و يدعون الى «معالجة جيولوجية» لتلك الظواهر. ولا ريب ان وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق الذي تحدث عن سنة صعبة وحافلة بالمخاطر سورياً وعراقياً لا يستطيع الا ان يحصر المخاطر في هذين البلدين، فيما يعرف تماما، وهو الذي يتابع الابحاث والخفايا الاميركية، ان كل المنطقة على فوهة المجهول..
في اكثر من محفل ديبلوماسي وسياسي حديث عن ان التفاهم بين واشنطن وطهران حاجة اميركية اكثر منه حاجة ايرانية، وان كان الايرانيون قد اُستنزفوا اقتصاديا على نحو مروع. اذا استمرت العقوبات او اتسعت، فسيكون الايرانيون اكثر شراسة، وهم يعرفون اين هي نقاط الضعف في مصالح اميركا ومصالح حلفاء اميركا في المنطقة وسيعملون على اختراقها. لاحظوا اين هم الآن واين هي اوراقهم…
الامل ضئيل بامكانية التوصل الى حل نهائي بحلول الاثنين 24 تشرين الثاني. الاتفاق المرحلي مرجح. هنا القصة وما وراء القصة، وما امام القصة. بطبيعة الحال، الاميركيون يحركون الكثير من الخيوط في المنطقة. ايديهم لا يمكن ان تكون بريئة من التنظيمات البدائية كما من الانظمة البدائية.
مشكلتهم ان حلفاءهم هذه الايام لم يعودوا حلفاء ايام زمان. اكثر خوفا وهشاشة وقابلية للتصدع من اي وقت آخر، وبالرغم من ذلك فهم يحاولون ان يلعبوا جيوبوليتيكياً في المنطقة، بل انهم يلعبون ايديولوجياً، ويحاولون ان يفرضوا رؤيتهم الرثة على الولايات المتحدة..
لا بد من ضابط ايقاع واحد في الشرق الاوسط. ماذا عندما تتعدد الاصابع. كلام اميركي عن لا واقعية رجب طيب اردوغان وعن اضغاث احلامه، فيما هو يقف على رأس مجتمع ينطوي على كل احتمالات الخراب. بعد الذي حدث ويحدث في سوريا لم يعد الاكراد يثقون بالطورانيين الذين لا يعترفون بـ«النوع الكردي». كنعان افرين، رجل الانقلاب الشهير، كان يقول ان الاكراد هم اتراك الجبال، وان كلمة «كرد» مأخوذة من صوت ارتطام احذية هؤلاء بالثلوج…
العلويون ايضا لم يعودوا يستسيغون البقاء في الزوايا. التفاعلات السورية كانت هائلة، واردوغان لم يتصرف على انه رجل كل تركيا. امام الملأ تحدث مذهبيا لعل ذلك يساعده على شق طريقه، وعبر سوريا والعراق، الى الخليج ومصر وليبيا وتونس بطبيعة الحال، وقد استحال عليه ان يكون الرقم الصعب في اوروبا او ان يعيد تشكيل العالم التركي في آسيا الوسطى والقوقاز، مرورا بسينكيانغ الصينية (تركستان الشرقية) لان اكثر من تنين آسيوي ينتظره عند المنعطف..
الاميركي ريتشارد هاس يسأل اذا كان تشاك هيغل قد صرح، بأن مواجهة «داعش» في العراق تحتاج الى إعداد ثمانين الف جندي، فأي مهزلة حين نعلم انه بوشر بتدريب الفي معارض سوري في تركيا وفي الاردن من اجل مواجهة «داعش» بل والنظام؟
ماذا يستطيع ان يفعل الالفان والعشرة آلاف الا اذا كان اردوغان، ومعه قادة عرب، يراهنون على تحوّل دراماتيكي في الاستراتيجية الاميركية بعد ان يغادر اوباما البيت الابيض، وتضرب القاذفات والصواريخ مواقع النظام. هل يدرك هؤلاء ما هي لعبة الامم وما هي الخفايا (الصارخة) للعبة الامم؟
الذين يعرفون ستيفان دوميستورا يقولون ان الرجل مهووس بكتب التاريخ. حتماً يعلم ان سوريا انتجت خمسة اباطرة حكموا روما، وان المجتمع السوري لم يتوقف عن الغليان قط. يعرف ما هي مسؤولية النظام الذي لم يتفاعل كما ينبغي مع طموحات الناس، وبالرغم من كل الحجج، لكنه يعرف اكثر ان ثمة قوى اقليمية ودولية بذلت قصارى جهدها من اجل تفكيك سوريا. قناعته ان الذين قاموا بهذه اللعبة القذرة لن يرثوا سوى الحطام. اذاً مهمته وقف الحطام…
هي رحلة شاقة ومستحيلة. الاميركيون مقتنعون بأن اعادة ضبط الايقاع في المنطقة لا يمكن ان يحصل دون ايران. الذين يعارضون الاتفاق يعارضون تمديد المفاوضات لان التمديد إياه يعكس شكلا ما من اشكال التفاهم. لن يتغير شيء عندما يرحل باراك اوباما لان العامين المقبلين هما عاما المفاجآت الكبرى. التحولات الكبرى. اسألوا نهاد المشنوق!!
نبيه البرجي