في العام 1860 بدأت إرهاصات الحركة الصهيونية تدق أبواب الإمبراطوريات الغربية، جرت الإتصالات مع المملكة البريطانية، ومع ملك بروسيا، لم تكن ألمانيا آنذاك قد توحّدت، طالبوهم بالعطف على اليهود والدعم لإقامة وطن قومي لهم في فلسطين.
في العام 1897 بلور ثيودور هرتزل الحركة الصهيونية ومنهج عملها، ومذ ذاك بدأت المخططات الإستعمارية والإستيطانية ترسي أسسها ميدانيًا على أرض الواقع.
استفادت الحركة الصهيونية بعد ذلك من مساهمتها في الحرب العالمية الثانية الى جانب الحلفاء، استثمرت ذلك في إنشاء كيانها الذي أقامته بالمجازر والقتل والتهجير فوق أرض فلسطين، بلغت المجازر حوالي 530 مجزرة بحق الشعب الفلسطيني، وما زالت المجازر دائرة حتى يومنا هذا، وما يجري في غزة الآن واحدة من تجلياتها.
بالمقابل، بدأت الحركة الوهابية منتصف القرن الثامن عشر، بتحالف موضوعي بين أبناء محمد بن عبد الوهاب، المرتدّ عن الإسلام تحت عناوين تحريفية تستند الى فتاوى واجتهادات ابن تيمية، يعيد كثيرون جذوره الى اليهودية، تحديدًا الى قبائل القينقاع اليهودية، وبين أسرة آل سعود الطامحة للإستيلاء على الحكم في نجد والحجاز، أنتج تحالفهما كمية هائلة من المجازر، قطع الرؤوس وتقطيع الأيدي وهدم التراث والمظاهر التاريخية والثقافية والحضارية كان عنوان دولتهم المرجوّة، دمروا الرموز الدينية، استباحوا الحرمات والمقدسات، هدموا أضرحة الصحابة والأولياء، ودمروا الرموز الدينية ونهبوا موجوداتها، فما هو الفارق بين ما فعله الصهاينة في فلسطين، ذبح، وقتل، وتدمير، وتهجير، وإزالة التراث الثقافي والحضاري الفلسطيني، وتدمير القرى والمدن، وبين ما فعله الوهابيون في الطائف، وفي مكة، وفي الحجاز والمدينة المنورة، وفي كربلاء، من هدمٍ للمعالم الدينية، ومن سرقةٍ لمحتوياتها، ومن قتلٍ للبشر، ومن تقطيعٍ للرؤوس والأيدي والأرجل، ومن سبل للعيون، واعتداء على الحرمات.
لا يمكن لأي قارىء تاريخي، أو لأي متابع لمسار الأحداث، الا أن يقيم ربطًا موضوعيًا، فيما بين الحركة الصهيونية، والآليات التي استخدمتها في فلسطين، ضد الشعب الفلسطيني وما زالت، وبين أداء وآليات عمل الحركة الوهابية، التي رضعت من الضرع الصهيوني، وتمتعت بنفس الدعم والحماية البريطانية التي وفرت مظلة الحماية لكلا الطرفين.
ألم يوافق عبد العزيز بن سعود مؤسس الوهابية الثانية على منح فلسطين “”لليهود المساكين”” لإقامة وطن قومي يهودي في فلسطين بناءً على رغبة بريطانيا؟؟
في رسالته التي أرسلها تركي الفيصل لمؤتمر السلام الصهيوني الذي عقد في تل أبيب منذ أيام، استحضر الفيصل في رسالته ما جرى لأجداده في الدرعية، فذكّر بالدور الذي قام به محمد علي باشا حاكم مصر، وابنه ابراهيم ياشا، ضد أهله وأجداده كما ذكر في رسالته في الدرعية مطلع القرن التاسع عشر، عندما قام ابراهيم باشا بتدمير مملكتهم الإرهابية، واعتقال أحد أجداده عبدالله بن محمد بن عبد الرحمن آل سعود، ومحاكمته وإعدامه في تركيا، في محاكاة “”للمعاناة”” الصهيونية ـ الوهابية المشتركة، متمنيًا أن يستقبلهم ذات يوم في داره في الرياض.
هل مجرد صدفة أن يكون السلوك الوهابي في تجربته الأولى أواخر القرن الثامن عشر، ومطلع القرن التاسع عشر، يتماثل الى حدود التطابق مع السلوك الصهيوني في فلسطين، في مطلع ومنتصف القرن العشرين، أوليس الاثنان ينهلان من نفس الفكر العنصري التكفيري ورفض الآخر، المختلف لمجرد الاختلاف، أوليس الاثنان ما زالا يخضعان لنفس التبعية؟؟ للغرب البريطاني بدايةً، ومن ثم للتبعية الأميركية، أوليسا هما الإثنان معًا يعملان سرًا وعلانيةً في خدمة المشروع الإستعماري الجديد بكافة تطبيقاته من سوريا الى العراق الى بقية الدول العربية.
ألم يجمعهما العداء لعبد الناصر عام 1964 عندما نسّقا نشاطاتهما العسكرية ضد قواته التي ذهبت لدعم الثورة اليمنية ضد الإمامة المتخلفة.
ألم يجمعهما العداء لعبد الناصر مرة أخرى في حرب العام 1967، عندما موّلت السعودية نفقات الحرب الإسرائيلية على مصر، بهدف إسقاط عبد الناصر، ألم يرسل الملك فيصل قبلها رسالة في العام 1966 للرئيس الأميركي ليندون جونسون يدعوه فيها للقضاء على عبد الناصر بالقول، “”يجب أن نقضي عليه””.
ألم يجمعهما العداء لكل حركات التحرر العربي وفي طليعتها التآمر المشترك على المقاومة اللبنانية في العام 2006.
تسعى المملكة السعودية الوهابية بكل ما أوتيت من قوة لفك العزلة عن “”إسرائيل””، ولإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، من خلال المبادرات التي تدعو فيها لإنهاء هذا الصراع، وإقامة العلاقات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية، والاعتراف بالعدو الصهيوني كدولة طبيعية على أرض فلسطين. يجري التنسيق على أشده، واللقاءات السرية والعلانية باتت بشكل شبه دوري، يعقدها بندر بن سلطان، ويعقدها تركي الفيصل الذي يشكل امتدادًا لتاريخ والده في التآمر على الأمة، في موناكو، وفي دافوس، وفي زوريخ، وفي تل أبيب، يؤكد ذلك ما ذهبنا اليه من مصالح مشتركة، ومن رؤية مشتركة، تأتيان كتتويجٍ لتاريخٍ مشترك، وايديولوجيا مشتركة، ومنشأ مشترك، لدرجة يمكن معها القول، إنّ الصهيونية والوهابية هما صنوان، وهما توأمان سياميان، وغدتان سرطانيتان ينبغي استئصالهما.
“