بأمر ملكي سعودي ومكرمة الملك عبدالله بن عبد العزيز هي مليار دولار حملها الرئيس سعد الحريري وعاد الى لبنان وبشكل مفاجئ، بعد غياب قسري دام ثلاث سنوات واربعة اشهر. تغيرت الارض التي كان يقف عليها مستنداً الى شعبية واسعة امّنت له تمثيل الطائفة السنية نيابياً، وآحادية القرار داخلها، فاذا بمنفاه بدأت البيئة السنية التي كانت حاضنة لـ «تيار المستقبل» ولخط الاعتدال، تتحول الى التطرف وتنمو فيها حركات اسلامية متشددة، تسبب بها تغاضي المستقبل عنها، لا بل تشجيعها في بعض الاحيان، من ان البديل عن الاعتدال هو التطرف، وفي كثير من الاحيان توجيه رسائل الى «حزب الله»، عبر الجماعات التكفيرية، بأن خروج سعد الحريري من رئاسة الحكومة، ثمنه هو خلق بيئة عقائدية معادية له سنياً من خلال التكفيريين.
فالعودة الحريرية تأتي في لحظة سياسية وامنية دقيقة، وتحولات خطرة تشهدها المنطقة ولبنان منها، ولم تعد المسألة للجماعات التكفيرية هي ترف فكري، بل باتت تشكل خطراً وجودياً كما قال النائب وليد جنبلاط، حيث تقرأ مصادر سياسية من القرار المفاجىء لرئيس «تيار المستقبل» بالعودة، انه مرتبط بالبيان الذي اذاعه العاهل السعودي الاسبوع الماضي وفي توقيت مدروس، يهاجم فيه القوى التكفيرية التي خطفت الاسلام وشوهته، ومارست القتل والاجرام، والاسلام منه براء، وحذر من ان جيلا جديدا سينشأ على العنف، وقد وقعت احداث عرسال بعد يومين من بيان او نداء الملك السعودي لتكشف عن مخطط لوصول تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» (داعش) ومعه «جبهة النصرة» الى لبنان، وهما تنظيمان مصنفان بالقرار الملكي السعودي قبل اشهر بأنهما ارهابيان مع «الاخوان المسلمين»، حيث تدعم السعودية الحكم الجديد في مصر برئاسة عبد الفتاح السيسي في حربه على الارهابيين وفي مقدمهم «الاخوان المسلمون» المدعومون من قطر وتركيا، وسبق لدول في مجلس التعاون الخليجي ان حذروا قطر من استمرار دعمها «للاخوان المسلمين»، وجماعات اسلامية جهادية اخرى، وفرضوا عليها اجراءات وحظراً.
فما حصل في عرسال وقبله في طرابلس وقبل ذلك في صيدا مع اجتثاث ظاهرة الشيخ احمد الاسير في عبرا، والهبة السعودية للجيش بثلاثة مليارات دولار التي قدمها الملك عبدالله، اودعت في فرنسا لتزوده بالسلاح، فان كل هذه التطورات هي اسباب وحيثيات لضرورة عودة الحريري الى لبنان، تقول المصادر لان وجوده فيه يقربه من ساحة الحدث، ثم من سرعة القرار الذي بدأ يتشتت داخل «تيارالمستقبل» وكتلته النيابية، وظهر ذلك من خلال موقف النواب الثلاثة محمد كبارة (تراجع عن موقفه وايّد الجيش)، وخالد الضاهر ومعين المرعبي، الذين هاجموا الجيش في وقت كان الحريري يصدر بيانا يعلن وقوفه الى جانبه، وقد اثار هذان الموقفان المتناقضان اسئلة في الوسط السياسي، وارباكا في الجو الشعبي، وانقساما في قواعد «تيارالمستقبل» الذي قيل ان بيان النواب الثلاثة، هو لاستيعاب القاعدة الشعبية التي باتت في مكان وقيادتها في مكان آخر، كما تقول المصادر التي تشير الى ان الشحن المذهبي والتحريض السياسي، هو ما اوقع قيادة «تيار المستقبل» في الارتباك والتضعضع، اذ ان التنظير شيء والممارسة شيء آخر، فبين رفض المشاركة في الحكومة مع «حزب الله» ثم القبول، خلق بلبلة واحياناً صدمة، وبين ترك الساحة للأسير ثم التخلي عنه، أوجدا تساؤلات، وما حصل مع قادة المحاور في طرابلس الذين تمت صفقة عليهم من خلال الخطة الامنية، بان يتم توقيفهم وهذا ما حصل، وقد وعدوا بأن يطلق سراحهم فوراً، لكن اقامتهم طالت في السجن فخرجوا الى الاعلام يعلنون من زنزانتهم، بانه يجب ان يكون موقوفاً معهم العميد حمود الضابط السابق في الجيش والذي اتهموه بانه كان يحرضهم على اشعال المحاور، وان الوزير اشرف ريفي اخلّ بوعده معهم.
فهذه الاجواء التي تعصف بـ «تيار المستقبل» وانفلاش الجماعات الاسلامية المتطرفة في الساحة السنية، التي باتت تتحرك فيها وتحركها، وتسحب القرار من يد المستقبليين، اقلقت السعودية قبل قادة «التيار الازرق» الذي كان يصب انتقاداته على «حزب الله» التي كان يستفيد منها المتطرفون ليؤطروا الساحة السنية معهم، وفق ما تقول المصادر، وان بعض المجموعات الاسلامية السلفية، بدأت تتلقى الدعم من دول وجمعيات ومرجعيات دينية وشخصيات مالية، لا سيما منها دول خليجية كقطر تنافس السعودية على النفوذ السياسي، فكان لا بدّ للمملكة التي فتحت الحرب على منظمات ارهابية، ان تطلب من الحريري ان يعود الى لبنان، ويحمل معه مساعدة فورية للجيش والقوى الامنية لتقف بوجه الارهاب، وتعزيز خط الاعتدال، وهو ما عبّر عنه الحريري نفسه كما تقول المصادر، وان الجيش هو الاداة لمواجهة الارهاب والتكفير، لان البديل عنه هو وقوع حرب اهلية، وسيكون اهل السنة من المعتدلين هم من سيدفعون الثمن على يد الجماعات التكفيرية التي تصنّف «تيار المستقبل» على انه علماني ولا يمثل السنة، ولا يتبع الشريعة وحكم الله، ومرتد عن الاسلام، ولن يكون مصيره افضل من الضباط البعثيين في العراق الذين وقفوا مع «داعش» في الموصل ضد حكومة نوري المالكي، فكان اول ما فعلته هو اغتيال عشرات منهم، وكما غيرهم ممن سمتهم علمانيين او ليبراليين او صحوات.
فالحريري في لبنان، وعلى جدول اولوياته، اعادة تنظيم تياره السياسي الذي ترهّل، وقد لعب شح المال دوراً في تراجعه، وانكفاء شعبي عنه، واقفال مؤسسات تابعة له، ثم استعادة الخطاب الديني المعتدل، وقد يكون انتخاب مفت جديد للجمهورية بعد التسوية التي حصلت وانخراط قوى في 8 آذار فيها، احدى الاشارات الى عودة مرجعية الازهر الى دار الفتوى، وقطع الطريق على وصول مفت له خلفيات فكرية سلفية او اخوانية، حيث تشاركت مصر والسعودية على انتاج هذه التسوية، كما تقول المصادر التي ترى ان وجود الحريري في لبنان عنوان لاستعادة خطاب سياسي وديني معتدل في بيئة سنية، بدأت تتأثر بالفتاوى التكفيرية، ولن يكون العمل سهلاً على الحريري الذي امامه مهمة ليست مستحيلة ولكنها صعبة.
تعميم المركزي يخفض سعر صرف الدولار؟
بعد أن اصدر مصرف لبنان تعميماً جديداً يلزم المصارف بالحصول على موافقة مسبقة منه قبل فتح اعتمادات او دفع فواتير...