تعيش الساحة اللبنانية ذروة ازمتها السياسية حاليا، عشية انتهاء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية ،مع اخفاق كل الجهود الرامية الى منع الفراغ وتداعياته الحادة، حيث يبدو واضحا من صورة الحراك الجاري في الخفاء والعلن، ان التعويل على الحراك الداخلي في الملف الرئاسي لا يعدو كونه تقطيعا للوقت الضائع في انتظار «حلول الروح القدس» على القيادات المعنية، في ظل غياب اي ترجمة عملية جادة وفق ما تبين من حصيلة المواقف التي صدرت عن بعض هؤلاء في اعقاب اللقاءات الثنائية الناشطة على هذا الخط.
وعلى ما درجت العادة اللبنانية، عند كل استحقاق اساسي، تتجه الانظار الى الخارج، الاقليمي منه والدولي، لتلمس كلمة السر التي تشرع الابواب المغلقة على احتمالات من خارج الحسابات التقليدية. في هذا الاطار رسمت عودة السفير السعودي علي عواض عسيري الى بيروت علامات استفهام عدة حول ما اذا كان يحمل في جعبته مفتاح السر الخاص بالاستحقاق الرئاسي، ام انها محصورة في مؤشرها الى استتباب الوضع الامني في البلاد، بعدما غادرها نتيجة التهديدات التي طاولت المصالح والرعايا السعوديين في اعقاب تفجير السفارة الايرانية في بيروت، حيث نقلت مصادر وزارية، تنويهه امام المسؤولين الذين التقاهم، بتنفيذ الخطط الامنية التي من شأنها تثبيت الأمن والإستقرار في المناطق المتوترة وبثقته بالوضع العام في اطار اهتمام المملكة باستقرار لبنان الامني والسياسي وحرصها على اجراء الاستحقاقات السياسية في ظروف أمنية مستقرة، ما فهم على انه اعطاء للضوء الاخضر للمواطنين الخليجيين للعودة الى لبنان، الامر الذي بات شبه مؤكد، اذ ان الدول المعنية هي في حدود اتخاذ قرارات لوقف العمل بحظر السفر الى لبنان، على ما تؤكد مصادر دبلوماسية خليجية، لافتة الى ان السفير السعودي بقي على تواصل مع جميع الأطراف في لبنان قبل مغادرته بيروت وحتى أثناء وجوده في الرياض، وهو عاد الى لبنان بنفس الروحية وذهنية الانفتاح على الجميع ناقلا حرص القيادة السعودية على التعاون مع لبنان لما يربطهما من علاقات وثيقة ومبديا تقديرها لعمل الحكومة وإنجازاتها على الصعيد الإداري والأمني لاسيما مكافحة الارهاب.
فالسفير السعودي، بحسب مصادر متابعة في 14 آذار، يحاول من خلال لقاءاته، المحاطة باجراءات مشددة والتي يصر على ابقائها بعيدا عن الاعلام، توضيح موقف بلاده من الاستحقاق الرئاسي، بعدما ربطت الأوساط السياسية المحلية عودته إلى لبنان بالاستحقاق وعزتها إلى احتمال أن يكون وجوده في بيروت لمواكبته، بعدما عزز هذا الانطباع تحرك السفير الأميركي ديفيد هيل على خط مواكبة الاستحقاق وزيارته للمملكة العربية السعودية، جازمة بأن عودة عسيري غير مرتبطة مباشرة بالاستحقاق، بل بالمناخ السياسي العام في البلاد بعد تشكيل الحكومة وضرورة دعمها وتوفير المناخ الملائم لرفع الحظر عن سفر الرعايا السعوديين، والخليجيين عموماً، إلى لبنان.
وتشير المصادر الى ان عسيري كان واضحا في تشديده على عدم تدخل بلاده، على اعتبار أن هذا الموضوع شأن لبناني داخلي يتطلب توافق اللبنانيين عليه بالدرجة الأولى، جازما بان الخيار في الاستحقاق الرئاسي اللبناني سيكون لبنانيا مئة في المئة، أما أي ّرأي إقليمي أو دولي فلن يعدو وضع «الفيتو» على شخصية معينة من دون التدخل المباشر في الاختيار، ذلك أن القطبين الرئيسيين، حزب الله وتيار المستقبل، لن يقبلا رئيسا صداميا يثير الحساسيات عند بقيّة الجهات، معتبرا ان المرحلة الحالية تشهد حرق أسماء معيّنة في سبيل الوصول الى اسم رئيس توافقي يأخذ في الاعتبار الحساسية المسيحية التي يحرص عليها الجميع.
من جهتها لفتت مصادر دبلوماسية خليجية، الى قراءة عودة السفير الى بيروت من باب قرار تعيينه سفيرا جديدا للملكة في باكستان، مع ما يحمله ذلك من معان بعد الكشف عن تسليم اسلام اباد رؤوس نووية للرياض، تحملها صواريخ بالستية عرضت للمرة الاولى الاسبوع الماضي في استعراض عسكري سعودي عند مثلث الحدود الكويتي – العراقي – السعودي، في تطور لافت قد يقلب المعادلات الاقليمية ويترك تداعياته على المفاوضات الايرانية – السعودية، مشيرة الى ان الرياض لن تقبل التفاوض مع إيران على رئيس جمهورية جديد للبنان، لأنها لن تتدخل في الاستحقاق الرئاسي ولن تدع الإيرانيين يتدخلون من طرفهم كما حدث في السابق، في مناسبات أثبتت عقمها وفشلها، بعد تراجع حلفائها عن كل الاتفاقات سواء قبل او بعد اتفاق الدوحة،مؤكدة ان اي مدخل للتطور في العلاقات الإيرانية – السعودية إنما يمرّ حكماً عبر البحرين واليمن لجهة عدم التدخل الايراني بهذين البلدين، بعدها يبدأ الكلام عن سوريا، وكيفية معالجة أزمتها، أما لبنان فهو تفصيل صغير. وتتابع المصادر بان كل المعلومات والمؤشرات تؤكد أن النظام السوري أوعز لحلفائه، بعدم إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري والذهاب إلى الفراغ الرئاسي، بانتظار إجراء الانتخابات الرئاسية في سوريا، رغبة من دمشق بابقاء ورقة الرئاسة اللبنانية بيدها بانتظار معرفة كيفية تعامل المجتمع الدولي مع إعادة انتخاب الرئيس بشار الأسد لرئاسة سوريا، حيث يبنى على الشيء مقتضاه، داعية الى قراءة عودة.
في موازاة ذلك ، كشفت المصادر الديبلوماسية الخليجية عن تواصل على اكثر من جبهة اقليمية ودولية لاخراج الاستحقاق من الازمة وفصل الملف اللبناني عن ملفات المنطقة بما يوفر انجاز الانتخابات الرئاسية بعيدا من تداعيات التأزم الاقليمي، خصوصا ان لبنان تمكن خلال سنوات الحرب من انتخاب خمسة رؤساء جمهورية وغير مقبول ان يعجز عن انتخاب رئيس في زمن السلم، موضحة ان اللقاءات الاميركية – الفرنسية التي تعقد في باريس بهدف منع الفراغ في الرئاسة الاولى، لم تبحث في اسماء مرشحين او تزكية واحدا على الآخر او تضع فيتو على اي منهم، رغم ان اكثر من شخصية من نادي المرشحين للرئاسة وخارجه زارت العاصمة الفرنسية والتقت مسؤولين فيها للتداول بالملف الرئاسي، الا انها ركزت على ثلاثة عناوين اساسية، رئيس يجسد الحالة المسيحية ويحافظ عليهم ويعزز ثقتهم بأرضهم، قادر على ان يواجه تحديات واستحقاقات المرحلة والحوادث المتوقعة في المنطقة، ويحترم الدستور ويعمل بجرأة وشفافية، حيث الاصرار حتى الساعة على اهمية لبننة الاستحقاق وضرورة اتفاق اللبنانيين في ما بينهم على هوية الرئيس العتيد.
في احدى لقاءاته مع احد كبار المسؤولين، بادر السفير السعودي، عند سؤاله عن امكانية التوافق السعودي – الايراني وانعكاسه على الملف اللبناني بكافة تشعباته، بالرد قائلا: اليس من المعيب ان يعلق سياسيو لبنان وقادته مصيره على التقارب بين الرياض وطهران؟ فماذا تراها الرسالة التي اراد ايصالها عبر جوابه؟
الديار