رأى وزير الخارجية السابق فارس بويز ان ما يجري في المنطقة من حروب وأحداث
دامية، هو نتيجة 60 سنة من الظلم والديكتاتوريات والفساد من جهة، وعجز الأنظمة
العربية عن مواجهة الكيان الإسرائيلي من جهة ثانية، ما أدى الى نكسة كبيرة على
مستوى الشخصية الإسلامية بشكل عام والهوية العربية بشكل خاص، ناهيك عن ان السياسة
الأميركية والغربية الرعناء والجاهلة لواقع المنطقة، أتت لتزيد المر مرارة وتفتح في
العراق وسورية ما يسمى بعلبة «باندورا» (الصندوق الذي يحتوي كل شرور الدنيا)، ليخرج
منها كل أنواع العقارب والأفاعي، ما ادى الى سقوط المنطقة في فوضى إسلامية وعربية
هائلة.
وعليه، لفت بويز في حديث لـ «الأنباء» الى ان ما وصلت الى المنطقة، يحتم على
قادتها التقليديين والجدد، إعادة النظر في سياستهم وتوجهاتهم العامة، ووضع
إستراتيجية جديدة متحررة من أحقاد وعداوات الماضي ومن الصراع السني ـ الشيعي
التقليدي والتاريخي، إذ لا يمكن ان يبقى الغرب ومعه بعض الدول العربية متلاعبين
بألسنة النار دون خروج المزيد من العقارب والأفاعي من علبة الباندورا، لذلك يعتبر
بويز ان الحوار القائم حاليا بين الولايات المتحدة والغرب من جهة وإيران من جهة
ثانية، اضافة الى الحوار بين دول الخليج العربي وإيران وان كان مساره لم يتبلور بعد
بشكل جدي، هو حوار ضروري وملح من اجل ضبط حالة الجنون المنتشرة على كامل جغرافية
المنطقة والتي تهدد كل شعوبها دون استثناء، بمثل ما تهدد اليوم الوجود التاريخي
للمسيحيين في العراق وسورية.
واستطرادا، لفت بويز الى ان نجاح الحوار سواء بين الغرب وإيران أو بين شعوب
المنطقة على مختلف طوائفهم ومذاهبهم واتنياتهم، يحتاج اولا الى تحرر الولايات
المتحدة والغرب من عقدة الذنب تجاه إسرائيل والتي تجعلهم (اي عقدة الذنب) يتبنون كل
المطالب والتوجهات والقرارات والمقترحات الإسرائيلية، وثانيا الى امتناع الغرب عن
الاعتقاد بأنه قادر على فرض سياسته ومبادئه ورؤيته أينما أراد في أنحاء العالم،
وثالثا الى تفاهم دول المنطقة، وفي مقدمتها إيران كلاعب أساسي في رسم توجهات ومصير
المنطقة، مشيرا الى ان ما دون ذلك سينهي كل أمل بالخروج من هذا الواقع الدموي الذي
فرضته الأخطاء الغربية والعربية على المنطقة على مدى 60 سنة خلت من تاريخها.
وبناء على ما تقدم، لفت بويز الى ان لبنان لم يكن يوما جزيرة معزولة عن محيطه،
لا بل كان ومازال يتأثر بشكل كبير ومباشر بأدنى تفاصيل التطورات السياسية والأمنية
في المنطقة، وهو اليوم يدفع ثمن تفاعله مع أحداثها أولا من خلال تصدير الإرهاب
إليه، والذي لولا وعي وفعالية الأجهزة الأمنية لكان خطره أكبر بكثير مما شهدته
المناطق اللبنانية من متفجرات وعمليات انتحارية، ثانيا من خلال نزوح مليون ونصف
المليون سوري الى أراضيه، ما يشكل قنبلة اجتماعية واقتصادية وأمنية موقوتة، وثالثا
من خلال الانقسام السياسي العمودي والحاد بين اللبنانيين نتيجة تمحورهم الإقليمي،
ما أدى الى الفراغ في سدة الرئاسة وشلل مجلس النواب والحكومة وتعطيل الحياة
السياسية برمتها.
أما وقد حصد لبنان ويحصد نتائج تفاعله مع الوضعين السوري والعراقي، يؤكد بويز
عدم وجود مؤشرات في الأفق توحي بحصول الانتخابات الرئاسية على المدى المنظور، أولا
لأن التوازنات السياسية الداخلية عقيمة ولا تسمح لأي من الفرقاء بإيصال مرشحه الى
الرئاسة، وثانيا وبشكل أساسي لأن الاصطفافات الداخلية حول أوضاع المنطقة بلغت
ذروتها وستبقى ترخي بظلالها على الاستحقاق الرئاسي ما لم يتم حد أدنى من التفاهم
الإقليمي بما يحدد صورة المرحلة المقبلة، بمعنى آخر يعتبر بويز ان خروج لبنان من
أزمته الرئاسية مربوط بتسوية إقليمية لا مفر منها لعودة الانتظام العام الى مؤسساته
الدستورية، معربا عن تفاؤله بحلول التسوية المرجوة خلال شهرين من تاريخه.
وردا على سؤال، ختم بويز مؤكدا ان الرئيس العتيد لن يكون إلا مستقلا ولا يشكل
تحديا لأي من فريقي 8 و14 آذار، وذات ثوابت وطنية وسياسية واضحة، وذلك لاعتباره ان
لبنان لا يتحمل وجود رئيس قادم من الانقسامات السياسية او ذو ثقافة سياسية مجهولة
تودي بالبلاد الى مزيد من الشرذمة، مستدركا بالقول وردا على سؤال ان كل ما يطرح
سواء لجهة إجراء الانتخابات النيابية قبل الرئاسية ام لجهة تعديل الدستور ليصار الى
انتخاب رئيس من الشعب، لا يمكن نفاذه في ظل غياب رأس الدولة الراعي لكل عمل مؤسساتي
دستوري.
الانباء