جاء صوت محدثي هذه المرة من اللاذقية.. التقيت الدكتور علي كيالي في اللاذقية. الرجل قامة وطنية. مسيرة نضالية بدأت في خمسينيات القرن الماضي. حكمت عليه المحاكم التركية ثلاث مرات بالإعدام. استطاع الإفلات من سجون تركيا. علاقات مميزة بمناضلين مثل عبد الله أوجلان، جورج حبش، وغيرهما من عمالقة اليسار في فلسطين وسوريا ولبنان. لا تخرج من لقاء الكيالي كما دخلت. تتعلم شيئا، تفهم موقفا، وتطل على حقيقة الأوضاع. يقول محدثي إنه يمكننا أن ننعت الأوضاع في المناطق الساحلية بالصعبة بل هي سيئة. ولكنها قيد المعالجة الجدية. لا سيما أن قوات جديدة، انتقلت إلى ميادين القتال وبدأت العمل على تدارك الوضع. بالمقابل قام الأعداء بدورهم بحشد مقاتليهم. الدلائل كثيرة على أن الأخيرين تلقوا تدريبا عاليا فضلا عن أنهم طـُعموا بالخبرات وبأعداد كبيرة من المقاتلين الأجانب. (يعني هم خرقوا ونجحوا وأخذوا المعبر وكسب وبلدة النبعين والربوة والسمرة و7 مرتفعات ومرتفع 45 ومنفذ بحري بعد انهيار دفاعات الجيش والدفاع الوطني بسرعة قياسية وبتكتيك عسكري متقن ودروس من خلال التطويق والمباغتة والتسلل ليلا.. والعمليات الانتحارية أخطرها آلية بي أم بي محملة بمئات الكيلو غرامات من المتفجرات اقتحمت تلة 45 وصعقت المكان.. وسقطت التلة، يعني من الواضح انهم فوجئوا بالهجوم (الجيش وقوات الدفاع..) وطبعا كل ذلك بتغطية نيران تركية…). أغلب الظن أن ما يجري في شمال سوريا، إنما هو على أساس خطة مرسومة، تلحظ مهمات معينة لكل من الشركاء، التركي، الفرنسي، الأميركي، والسعودي والقطري. يبدو أن الأخيرين (القطري والسعودي) نسيا خلافاتهما واتفقا على تأدية ما طلب منهما في معركة الساحل !. لا شك في أن المهاجمين اتبعوا خطة عسكرية محكمة، ضمنت لهم عنصر المفاجأة، بالإضافة إلى إحداث صدمات قوية عن طريق العمليات الانتحارية، والتسلل الليلي. ما أتاح لهم السيطرة على عدة مواقع على الأرض في كسب وجوارها، والمرتفعات. لا بد من الإشارة هنا إلى أن أبرز التطورات، أو التراجعات، التي نتجت عن «تسخين» جبهة الشمال والساحل، هي أن المتمردين يعاونهم المرتزقة أخذوا مواقع أقدام لهم على الشاطىء السوري، بالقرب من بلدة السمرة. كأنهم أرادوا توجيه رسالة إلى الروس، على خلفية القضية الأوكرانية، والبحر الأسود والقرم تحديدا. من البديهي أن الروس لم يبقوا مكتوفي الأيدي. فبادروا إلى الرد انطلاقا من اللاذقية. أما الهدف فيبدو أنه منع المتمردين وأعوانهم من البقاء على شاطىء البحر. مجمل القول، إن الحكومة التركية لم تلتزم بتعهداتها لإيران بإقفال الحدود مع سوريا، وعدم السماح للمسلحين المتطرفين باتخاذ قواعد خلفية على أراضيها. وأن السعوديين والقطريين انضموا إلى الحملة على مدن وبلدات الساحل السوري، رغم أن مواقفهم بدت في المدة الأخيرة متضاربة. ينجم عن ذلك أنه باستطاعة الولايات المتحدة الأميركية تجيير المواقع التي احتلها المتمردون على الساحل السوري، ليس بعيدا عن القاعدة الروسية في طرطوس، لصالحها في المنازعة حول أوكرانيا والقرم والبحر الأسود! هذا من ناحية، أما من ناحية ثانية فإن تفحص الأمور على ضوء الهزيمة التي لحقت بالمتمردين والمرتزقة في القلمون تظهر لنا أن الأخيرين سينشطون في أغلب الظن، على أساس محورين، محور الشمال الغربي انطلاقا من تركيا باتجاه منطقة الساحل من جهة، ومحور الجنوب إنطلاقا من الأردن، بإتجاه دمشق. (وكما تشير المعلومات فإن هناك تحريكا من جديد لجبهة درعا. رغم التأكيدات أن قوات الجيش والمقاومة كانت وما تزال تراقبهم من الجهتين، جهة الحدود والبادية وجهة الغوطة من دوما وميدعا وغيرها.. وهنا يذكر محدثي بعملية العتيبة والعبوات التي قتلت 175 منهم هي التي أفشلت الغزوة.. لأنه كما كان مخططا هو أن يتقدم 250 مقاتلا (الذين استهدفهم الكمين) خرجوا من ميدعا باتجاه العتيبة لاحتلالها وبعدها يتحرك 400 مقاتل مع تجهيز كامل وأسلحة نوعية من الأردن إلى الضمير لمتابعة الهجوم واسناد الفريق الأول..). يضيف محدثي، فيقول إن خطة الجيش العربي السوري تقضي بالمبادرة إلى الهجوم الاستباقي. إذ من المتوقع أن يقوم الجيش بفتح عدة جبهات، أو بالأحرى تفعيل عدة جبهات كانت المناوشات فيها، تراوح في المكان. يستتبع ذلك، (وبعد أن تقدم الجيش مستعيدا التلة 45 ذات الطابع الإستراتيجي، وحشد قوات إضافية في مواجهة المسلحين المتسللين إلى المناطق الساحلية، اتخاذ الخطوات التالية): – صد الهجوم على المنطقة الساحلية، واستعادة المواقع التي احتلها المتمردون. – بدأت العمليات في حلب لعزل العاصمة الثانية عن الأرياف وتطهيرها وجعلها نقطة ارتكاز للجيش السوري. ـ تفعيل جبهة الغوطة الشرقية. ـ استكمال السيطرة على القلمون من الجبة حتى عسال الورد والصرخة وحوش عرب ومدينة رنكوس. ـ إحكام السيطرة على المعابر الحدودية في سلسلة الجبال الشرقية. من المرجح أن يلجأ الجيش والمقاومة اللبنانية، في هذه المعارك القادمة إلى خطط جديدة، تم التأكد من نجاعة بعضها في معارك القلمون، كمثل عمليات القوات الخاصة خلف قوات العدو. (كما في تفجير الفيلا قرب حوش عرب وقتل الخلية التي كانت تفخخ السيارات المرسلة إلى لبنان. أي عمليات نوعية وخرق لجغرافيا المسلحين والتي يطلق عليها بالمصطلح العسكري عمليات خلف خطوط العدو. وهذا الأسلوب اعتمده حزب الله أثناء الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان.. فهو يعتبر منطقة القلمون إلى الزبداني التهديد الفعلي للمقاومة وبيئتها الحاضنة في لبنان..). تساءلت وأنا استمع إلى رواية محدثي من اللاذقية، عما إذا كانت العمليات العسكرية ضد الساحل السوري، بمشاركة الحكومة التركية، تشكل تحولا في الحرب على سوريا، أم أنها في الواقع تكشف طبيعة هذه الحرب. هل يمكننا الأخذ بفرضية تقول بأن تركيا والإسلاميين الوهابيين توكلوا باقتلاع «الغزاة الروس» من سوريا. أي هل أن تركيا والقاعدة سيعيدون في سوريا، تجربة باكستان والقاعدة في أفغانستان ؟ ما هي الفرضيات التي يمكن طرحها حول رد الفعل الروسي المرتقب ؟ استنادا إلى أن روسيا اليوم تختلف في أغلب الظن عن الإتحاد السوقياتي في مراحل تآكله الأخيرة. واستنادا إلى نظرية «صراع الحضارات» فإن السلاف، والأرثوذكسية المسيحية بوجه عام، ليسوا كمثل الشيوعيين السوفيات. ما نعرفه في هذا السياق، هو ما فعله الروس في جيورجيا وفي أوكرانيا. ومن زاوية أخرى، لا بد في موضوع الساحل السوري من أن نأخذ بعين الاعتبار مدى مناهضة السكان المحليين لتدخل تركيا في شؤونهم الداخلية، بالإضافة إلى العلاقة بين هؤلاء السكان من جهة وبين المتمردين والمرتزقة من جهة ثانية. أي بكلام أكثر وضوحا وصراحة، يجب أن نعرف درجة تجاوب السكان السوريين في المناطق الساحلية مع المتمردين والمرتزقة. وفي سياق آخر، فإن التدخل العلني والصريح للحكومة التركية في الأزمة السورية، علما أن تركيا عضو في الحلف الأطلسي، يفتح هذه الأزمة مجددا على احتمالين، الأول: تدخل إيران بصفتها حليفة لسوريا، بشكل او آخر. هذا يعني العلاقات بين إيران وبين تركيا ليست على ما يرام. أما الإحتمال الثاني فهو حصول حدث أو تطور ما يمكن أن يتخذ منه حلف الأطلسي ذريعة لتنفيذ وعيده بقصف سوريا. أعتقد أنه يحق لنا في إطار هذه المقاربة أن نفترض أيضا أن ما تشهده مناطق الساحل السوري ليس بالضرورة منفصلا عما يتنامى إلى السمع عن تحريك لجبهات متنقلة، حيث أطلقت أمس الأول معركة «صدى الأنفال» في إدلب، وعن استعدادات في الجنوب، في درعا والأردن، من أجل مهاجمة دمشق لإسقاط شرعية الدولة بالتلازم مع مشروع القتل والتدمير وطرد الروس من الشمال!
الديار