تصدّرت قرارات المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في قضية اغتيال الرئيس رفيق
الحريري باستدعاء مؤسستين زميلتين، هما تلفزيون «الجديد» وصحيفة «الأخبار» للمثول
أمام المحكمة بتهمة التحقير أيّ ما يعادل القدح والذم في مصطلحات القانون اللبناني،
واجهة الاهتمام.
التدقيق القانوني والسياسي بالخطوة يتعدّى برأي رجال القانون، الصلاحيات التي
يتضمّنها التفويض للمحكمة في اتفاقية إنشائها، سواء مع الدولة اللبنانية أو عبر
المؤسسات الدولية التي منحتها التفويض، فسلطة المحكمة القانونية ونطاق صلاحياتها
يتحدّدان بصفتها محكمة استثنائية لا يجوز التوسع في تفسير النصوص التي تحدّد مهامها
إلا بمقدار التوقف عند حدود صلاحية القضاء الأصلي المالك للصلاحيات المطلقة، وهو
هنا القضاء اللبناني.
طبعاً لا يفوت القضاة اللبنانيين العاملين لدى المحكمة هذا الجانب القانوني،
فالقاضي رالف رياشي عمل في المجلس العدلي ويُعتبر أحد الخبراء في مجال رسم الحدود
بين المحاكم الاستثنائية والمحاكم الأصلية، والقاضي عفيف شمس الدين ترأس محكمة
المطبوعات لسنوات ويُعتبر من الذين يعلمون بحرفية حدود التقاضي في قضايا القدح
والذم.
المحكمة الدولية قادرة على الادعاء أمام القضاء اللبناني بصفتها كياناً معنوياً
قانونياً له مقدار من الحصانة بموجب الاتفاقية المنظمة لعملها مع الدولة اللبنانية،
والمنطقي في حال تعرّضها أو افتراض تعرّضها للقدح والذم أن تلجأ إلى القضاء
اللبناني طلباً للملاحقة.
ما حدث يدلّ على أن الهدف هو تكريس اجتياح المحكمة لمفهوم السيادة القضائية
للقضاء اللبناني من جهة، وتأديب الإعلام اللبناني بتحريض وتواطؤ بعض السلطات
المعنية في لبنان من جهة ثانية، والسلطات اللبنانية لم تخفِ نصائحها للمؤسسات
المعنية بضرورة التجاوب والمثول أمام المحكمة مشيدة لنزاهتها وعدالتها.
كسر العظم بين الحرية والمحكمة لا صلة له بالانقسام السياسي حول المحكمة تجاه
مهمتها الأصلية ومدى شرعيتها، بل بالدخول إلى حقل الألغام اللبناني الذي يمثله
اللعب بنار الحريات التي أحرقت أيدي أكثر من طرف.
هل يملك الجسم الإعلامي اللبناني شجاعة المواجهة على المستوى اللازم وتنهض معه
قوى لبنان الحية ليقولوا جميعاً للمعتدى عليهم لا تمثلوا أمام المحكمة ونحن وراءكم؟
أم يجري التعامل بقبول قواعد اللعبة التي رسمتها المحكمة على قاعدة البحث عن محامين
أكفاء والدخول في تفاصيل الدفوع الشكلية، وفقاً لنصيحة وزير الإعلام للمعنيين في
الوسيلتين الإعلاميتين المستهدفتين؟
الاثنين سيلتقي أهل المهنة في نقابة الصحافة ويقرّرون، علماً أن المؤشرات حتى
الآن تقول إن نصيحة وزير الإعلام هي التي تتقدم.
الإعلام المنشغل بهمومه لم ينصرف عن متابعة التحضيرات لجلسة الأربعاء الرئاسية،
التي يبدو أنها تنتظر جديداً لتكون خبراً، وإلا قد لا تنعقد بقوة تطيير النصاب أو
تنعقد لتكرار مشهد الأربعاء الماضي.
الجديد هو ما قد تحمله أنباء روما من تشاور بدأ بين البطريرك بشارة الراعي
والرئيس سعد الحريري هاتفياً، وقد يتحوّل مباشراً في ضوء ما سيسمعه البطريرك الراعي
من دوائر الفاتيكان وما سينجح في إثارته من تحركات.