بينما قدّمت معظم المؤسسات العسكرية والأمنية لوائح أولية باحتياجاتها العاجلة
إلى الحريري من ضمن الهبة السعودية بقيمة مليار دولار لمواجهة الإرهاب والتطرف،
كشفت مصادر ديبلوماسية واسعة الاطلاع في العاصمة الفرنسية لـ«السفير» انه إذا لم
يتدخل الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز لتصحيح مسار الهبة السعودية الأولى
للجيش اللبناني بقيمة ثلاثة مليارات دولار من خلال معبرها الفرنسي الإلزامي، «فان
هذه الصفقة ـ الأولى من نوعها ـ مهددة بأن تلغى»، وقالت إن ثمة مؤشرات في هذا
الاتجاه بينها قرار الرياض منح الحريري هبة بقيمة مليار دولار، «وقد وقعت هذه
الرسالة السعودية وقع الصاعقة على الفرنسيين الذين بدوا مذهولين بالخطوة الملكية
المفاجئة».
وكشفت المصادر أن ثمة قطبة مخفية في باريس وبيروت، حيث بدأت
تتصاعد روائح السمسرات، «وهذه المسألة جعلت السعوديين يتشددون ويضعون بنودا
جزائية». وقالت المصادر انه عندما أبلغ العاهل السعودي الرئيس اللبناني السابق بهبة
تسليح الجيش اللبناني بقيمة 3 مليارات دولار في نهاية العام 2013، «أوكل إلى
الديوان الملكي تنفيذ هذه الهبة استنادا إلى لوائح يقدمها الجيش اللبناني، ووقتذاك،
طلب الرئيس اللبناني من قيادة الجيش إعداد اللوائح المطلوبة، وزار قائد الجيش
العماد جان قهوجي السعودية والتقى رئيس الديوان الملكي خالد التويجري، وجرت هناك
مباحثات بين الجانب السعودي ممثلا بالتويجري والجانب الفرنسي ممثلا بوزارة الدفاع
أفضت إلى وضع سلسلة شروط سعودية مقيدة حماية للهبة السعودية وأبرزها
شرطان:
الأول، بند جزائي في حال ثبت ان هناك عمولة تقاضاها اي طرف معني جراء اي
صفقة شراء أسلحة ومعدات وذخائر فرنسية.
الثاني، بند جزائي حول السعر الأدنى،
فإذا تبين ان الأسلحة او المعدات أو الذخائر نفسها بيعت الى دولة اخرى بسعر اقل من
السعر الذي بيعت به الى لبنان، يتم تغريم الفرنسيين».
وأوضحت المصادر أن
وفدا عسكريا فرنسيا «زار لبنان قبل حوالي الأسبوعين وتسلم من قيادة الجيش اللبناني
لائحة نهائية استنادا الى دراسة شاملة باحتياجات المؤسسة العسكرية تمحورت حول سبل
تجهيز الجيش بأسلحة من الجيل الجديد تعزز قدراته وتساعده على القيام بالمهام
المطلوبة منه لا سيما الحرب على الإرهاب، وأبلغ الفرنسيون الحكومة اللبنانية أنهم
سيزورون الرياض للتوقيع نهائيا على البروتوكول، لكنهم ذهبوا ولم يرد منهم أي جواب
حتى الآن».
وأشارت إلى انه خلال سلسلة اجتماعات عسكرية لبنانية فرنسية بين
باريس وبيروت، تمكن الجانب اللبناني من حذف الكثير من الاقتراحات الفرنسية حول
أسلحة معينة من الجيل القديم، وبينها ما هو موجود لدى الجيش حاليا ولا يفي بالحاجة،
وقالت إنه بمعزل عن «الفيتو» الاسرائيلي بمنع حصول لبنان على اسلحة كاسرة للتوازن
«تمكن الجيش اللبناني (نظريا) من تحقيق خرق بحصوله على أسلحة صاروخية ومدفعية
ورادارات متطورة»، غير أن اللافت للانتباه أن معظم هبة الـ3 مليارات ستصرف على
قضايا التدريب والذخائر والصيانة والمنشآت وبينها بناء مستشفى عسكري كبير وبناء
مرفأ قادر على استقبال الزوارق الحربية السريعة («أدروا»)، فضلا عن انشاء أحواض
بمواصفات معينة لصيانتها مستقبلا!
وقالت المصادر إن مراجعات عاجلة جرت بين
العواصم المعنية في الأيام الأخيرة أفضت إلى تسريب الفرنسيين أن أحد أسباب التأخير
غير المعلن في بدء تنفيذ الهبة «هو انتقال الملف من الديوان الملكي الى وزارة المال
السعودية لأسباب إدارية كون الوزارة هي المعنية مباشرة بالصرف».
ونقلت
المصادر عن مسؤول في قصر الاليزيه قوله إن الروتين الإداري السعودي هو المسؤول عن
تأخير إبرام الصفقة!
في المقابل، قالت مصادر لبنانية متابعة في بيروت
لـ«السفير» ان لا صحة لما يقال فرنسيا عن مسؤولية الادارة السعودية، وأوضحت أن
السعوديين دققوا في الصيغة التي اقترحها الفرنسيون بأن تكون لهم عمولة بقيمة 150
مليون دولار لحساب شركة «أوداس» من خلال موقعها الوسيط في إدارة العملية برمتها (5
في المئة من الصفقة)، فتبين لهم أن هذا النموذج «غير معتمد في حالات وصفقات
مماثلة».
وردا على سؤال لـ«السفير» عمّا إذا كانت بلاده قد وقعت على الاتفاق
النّهائي مع الفرنسيين أم لا، قال السفير السعودي في بيروت علي عواض عسيري ان
معلوماته تفيد بأنّ المبالغ (3 مليارات دولار) «اعتمدت فور الإعلان عن الهبة بتوجيه
من خادم الحرمين الشريفين ولم يتبقّ إلا الآلية التي تصرف بها وهي تعتمد على إتمام
الاتفاق النّهائي بين اللبنانيين والفرنسيين، أي عمليا بين البائع والمشتري وبعد
ذلك يأتي دور المموّل للدّفع من خلال الحكومة الفرنسيّة وفقا لروزنامة الاتفاق
اللبناني ـ الفرنسي»، نافيا مسؤولية بلاده عن التأخير الحاصل حتى
الآن.