دخل الاستحقاق الرئاسي اللبناني مرحلة «بلورة» الخيارات وليس حسمها، لاعتقاد كافة الاطراف انه بالامكان الرهان على الوقت لتحسين «شروط اللعبة»، وفي خضم «شد الحبال» القائم ثمة مفارقات سياسية ما تزال تلامس حدود الواقع والخيال، ومنها على سبيل المثال احتمال تبني تيار المستقبل ترشيح الجنرال ميشال عون للرئاسة. فهل هذا الاحتمال جدي وقائم؟ ام مجرد مناورة سياسية؟ واذا كان جديا ما هي احتمالات وفرص نجاحه؟
تقول اوساط في 8 آذار ان ترشيح «الجنرال» وضع على «مشرحة» تيار المستقبل والراعي السعودي، ومن يقول غير ذلك، يريد الاستمرار بمجاملة رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع الذي لا يريد حتى الآن تصديق ان حليفه الرئيس سعد الحريري قد راودته هذه الفكرة حتى في احلامه، لكن وان كان هذا الامر بالنسبة الى «الحكيم» هو اسوأ كوابيسه، الا ان الحريري وفريق عمله ناقشوا باسهاب هذه المسألة مع المعنيين في القيادة السعودية بهذا الملف، ليس حبا بـ«الجنرال» وانما «بغضا» بحزب الله. لكن ما أخر الحسم النهائي للموقف من قطع «شعرة معاوية» مع «الجنرال» أو وصلها، يرتبط بعدة عوامل منها ما هو داخلي سعودي، ومنها ما هو رهن التطورات في المنطقة، أضافة الى عامل «انتهازي» يرتبط بملفات داخلية لبنانية.
هذه الخلاصة، تؤكدها اوساط ديبلوماسية في بيروت، وهي تشير الى ان لعبة «شد الحبال» داخل «البيت السعودي» لعب دورا اساسيا في «البلبلة» الراهنة المرتبطة بتردد «المستقبل» في حسم خياراته الرئاسية، فغياب «الشهية» الاميركية عن اعداد «الطبق» الرئاسي اللبناني، سمح للسعوديين بمقاربة هذا الملف من زاوية مصالحهم في لبنان والمنطقة، والسعودية قررت «لعب» «ورقة» عون، ففي احدى الجلسات التقويمية للوضع اللبناني والسوري مع الرئيس الحريري وعدد من المسؤولين، كانت الفكرة الرئيسية تنطلق من عدة اسئلة تحتاج الى اجابات حاسمة، هل وصول «الجنرال» الى بعبدا سيؤدي الى خسارة حزب الله للغطاء المسيحي الذي امنه التيار الوطني الحر لسلاحه؟ هل يمكن الحصول على تعهدات من «تحت الطاولة» من عون حول كيفية تعامله مع هذا الملف في حال وصوله الى الرئاسة؟ وهل يمكن الوثوق بهذه التعهدات اذا ما اعطيت؟ طبعا هذا الطرح جاء بعد اتفاق الجميع على تقدير يفيد، بأن قوى 14 آذار غير قادرة على ايصال مرشحها في ظل التوازنات الداخلية والخارجية الراهنة، وقد طرحت فكرة ترشيح عون كبديل مفترض عن رئيس «تسوية» علها تحمل نتائج استراتيجية على المدى الطويل ضمن معادلة تضييق الخناق على حزب الله.
طبعا، تضيف الاوساط فتحت قنوات الاتصال مع «الجنرال» «لجس النبض» وكان من الطبيعي ان يتم اختيار الوزير جبران باسيل كوسيط موثوق لدى الرابية، وتولى نادر الحريري، ولا يزال، «هندسة» الموضوع من الجانب الاخر، لكن شيء ما تغير داخل المملكة، ومنذ اشهر قليلة خلت لم يعد أي مسؤول سعودي مهتم بهذه الفكرة، وهو ما ارجأ مرات عديدة مواعيد اعطيت «للجنرال» لزيارة السعودية لبلورة موقف نهائي من الملف، وفي الفترة الانتقالية الماضية لم يبادر وزير الداخلية الامير محمد بن نايف الى بلورة تصور نهائي باعتبار انه تولى مسؤولية الملف بشكل موقت، لكن «تيار المستقبل» لم يبادر الى تغيير استراتيجيته في مواصلة التواصل دون الانتقال الى مرحلة «جس النبض» في المسائل الاساسية المرتبطة بكيفية تعامل «الجنرال» مع حزب الله بعد وصوله الى بعبدا والتي لم تكن اصلا مناطة بـ«الوسيط» اللبناني بل كان يفترض ان تتبلور لو تمت زيارة «الجنرال» الى السعودية.
وفي هذا السياق، جاءت التطورات السورية الميدانية لتزيد من «ارباك» المشهد في المملكة، تضيف الاوساط وفرضت المزيد من التعقيدات على ملف تبني ترشيح عون، وثمة من بدأ يتساءل عما اذا كان احد في العالم سيقتنع بان تبني «الجنرال» ليس الا انعكاسا «للهزيمة» في سوريا؟ فهل يعقل ان يربح الحزب وايران هناك ثم ينالون ايضا جائزة ترضية في بيروت؟ واذا كانت الظروف الراهنة تسمح بالاتيان برئيس تسوية وفقا لنظرية «لا غالب ولا مغلوب»، فلماذا المخاطرة بهزيمة سياسية غير منطقية والرهان على نتائج غير مضمونة في المستقبل؟
المشكلة الرئيسية في هذا السياق، ان اي تعهدات «تحت الطاولة» لن تساوي أي قيمة فعلية بعد حصول الانتخابات، واذا كان «الجنرال» لم يسأل بعد عن برنامجه الرئاسي، تقول المصادر في 8 اذار فان تمسك حزب الله بتبني ترشيحه، واشارة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بان الحزب قد حسم خياراته بشأن اسم الرئيس، اثار الكثير من علامات الاستفهام لدى القيادة السعودية الجديدة حول جدوى «الفكرة» من اساسها طالما ان «الود» المبالغ فيه بين «التيار الوطني الحر و«المستقبل» لم يغير من قناعات الحزب بـ«الجنرال»، وما زاد «الطين بلة» هو ما تسرب من معلومات أن حزب الله كان على علم مسبق بنيات عون بالتقارب مع السعودية «وبارك خطواته».
كل هذه المعطيات «فرملت» الاندفاعة نحو تفعيل التواصل مع «الجنرال» ولم توقفها، ولا يمكن الحديث اليوم عن تراجع في تبني خيار ترشيحه لان القرار لم يكن قد اتخذ اصلا، على حدّ قول المصادر لكن ثمة مراجعة لم تنته بعد لكيفية مقاربة هذا الاستحقاق، انطلاقا ايضا من معطى يفيد بان الرئيس العتيد، مهما كانت هويته، لن يكون قادرا على تغيير قيد انملة من الوقائع والثوابت في البلاد، وتجربة الاشهرالاخيرة من ولاية الرئيس سليمان كانت كفيلة باعطاء هذه التجربة علامة كاملة بالفشل، لان خروج الرئيس عن حياده والتصويب على حزب الله والمقاومة، لم تثمر عن اي تحولات كبرى او صغرى على المستويين الداخلي والخارجي، ولم يتأثر الحزب بهذا «الانقلاب» بل جاء بنتائج عكسية ادت الى «عزل» الرئيس واخراجه من دائرة المنافسة مع «الفراغ»، فسقط التمديد بالضربة «القاضية»، والانكى من كل ذلك حصل حزب الله على مبرر «شرعي» للتغيب عن طاولة الحوار التي فقدت جدواها نتيجة هذه المقاطعة. ولذلك لا بد من الحصول على «مظلة ضمانات اقليمية».
وازاء هذه المعطيات، يضيق هامش المناورة لدى كافة الاطراف لكنه لم يقفل بعد، و«حرق» الاسماء سيكون عنوان المرحلة المقبلة بانتظار تبلور الصورة الاقليمية والدولية، قوى 8آذار لن تتخلى عن ترشيح الجنرال عون حتى يقتنع هو ان حظوظه باتت منعدمة، تيار المستقبل قد «يلعب» ورقة «الحكيم» لاخراجه من «المعادلة» نهائيا، بعد ان تحولت «هجمة» جعجع الاعلامية الى «صداع» داخل «البيت الآذاري»، ومع تريث السعودية في اتخاذ قرار بشأن تبني ترشح عون من عدمه، ثمة غلبة للفريق الذي يدفع باتجاه «غض» النظر عن هذه المخاطرة غير المحسوبة خصوصا أن الطرف الآخر ليس جزءا من التفاوض حتى الآن، وبمعنى آخر فان لا أثمان «معقولة» يمكن أن تدفع في مكان آخر، ولذلك قد تكون هناك محاولة أخيرة مع تسلم رئيس الاستخبارات الجديد لمهامه لفتح قناة سعودية- ايرانية بحثا عن مكاسب اقليمية يمكن تحصيلها اذا ما تم التوافق على «ترشيح» «الجنرال». ما هي هذه «الاثمان»؟ واين ستدفع؟ هل ستبادر «المملكة» الى طرح «المقايضة»؟ وهل طهران مستعدة «للدفع»؟ ام سيتم التوافق على مرشح تسوية ؟ كلها اسئلة ما تزال أجوبتها في «علم الغيب» والى ان تتبلور الامور سيبقى «الفراغ» سيد «القصر»…
تعميم المركزي يخفض سعر صرف الدولار؟
بعد أن اصدر مصرف لبنان تعميماً جديداً يلزم المصارف بالحصول على موافقة مسبقة منه قبل فتح اعتمادات او دفع فواتير...